الإخوان في باريس.. تمدد ناعم خلف ستار الرقمنة والمجتمع المدني
الإخوان في باريس.. تمدد ناعم خلف ستار الرقمنة والمجتمع المدني

بعيدًا عن ضجيج السلاح والتفجيرات، وفي صمتٍ لا يقل خطرًا، تُعيد جماعة الإخوان الإرهابية تموضعها داخل فرنسا، مستغلة الأدوات الديمقراطية لإحياء مشروعها المتطرف في قلب أوروبا.
ورغم تصنيفها كجماعة إرهابية في عدد من الدول، فإن الإخوان ما زالوا يتحركون في فرنسا عبر شبكات معقدة تتخفى خلف واجهات قانونية، جمعيات دينية، ومؤسسات تعليمية، ويدعون الاعتدال بينما يبثون بذور التطرف والانفصال.
تقرير استخباراتي يكشف المستور
ووفقًا لتقارير إعلامية استخباراتية فقد تمدد الإخوان داخل فرنسا، حيث وصف الجماعة بأنها تبني "شبكة سرية ومتعددة الأذرع" تهدف لتقويض قيم الجمهورية من قبل الرئيس الفرنسي والامن الداخلي في البلاد.
وذكرت صحيفة لوفيجارو، أن جماعة الإخوان الإرهابية بإنشاء مجتمع موازي داخل البلاد، يرتكز على عقيدة دينية متشددة تناقض مبادئ العلمانية الفرنسية، وتغذي روح الانفصال داخل أوساط الجاليات المسلمة.
خرائط انتشار وتكتيكات ناعمة
التقرير الاستخباراتي يرسم خريطة مقلقة لنفوذ الجماعة، حيث تم رصد، 139 مسجدًا مرتبطًا مباشرة بمنظمة "مسلمي فرنسا، وهي الواجهة العلنية للإخوان.
كذلك 280 جمعية ذات صلة بالفكر الإخواني، ونشاط مؤكد في أكثر من 20 مقاطعة فرنسية.
ولا يتوقف تمدد الجماعة عند النشاط الدعوي فحسب، بل يمتد إلى التعليم، حيث تم تسجيل 21 مؤسسة تعليمية تابعة للتيار الإخواني حتى سبتمبر 2023، لا يربط سوى 5 منها أي شراكة رسمية مع الدولة الفرنسية، بينما البقية فتعمل باستقلالية تامة، ما يمنحها مساحة لبث أفكارها المتطرفة دون رقابة.
تخريب ناعم وإسلام سياسي مموه
التقرير يشير إلى أن الجماعة، رغم خطابها العلني الهادئ، تعتمد على استراتيجيات "التخريب الناعم" وإعادة "أسلمة" المجتمع، مستخدمة خطابًا مزدوجًا يستهدف استمالة الشباب عبر مفردات الهوية والانتماء الديني، وتُخفي أجندة تهدف إلى تفكيك الانتماء الوطني واستبداله بولاء أممي عقائدي.
وتُظهر الوثائق أن الإخوان طوروا نسخة غربية من "الإسلام السياسي"، أكثر مرونة من نظيراتها في الشرق، لكنها تحمل ذات الهدف، زعزعة الدولة من الداخل، عبر خطاب مموه الرسائل ويخدع المتلقي.
مشروع ايدلوجي متكامل
وقال الباحث في شؤون الإسلام السياسي، سامح عيد، أن ما تقوم به جماعة الإخوان في فرنسا ليس نشاطًا دعويًا كما يروج، بل هو مشروع أيديولوجي متكامل يهدف إلى تأسيس مجتمع داخل المجتمع، قائم على الانفصال الثقافي والديني، والإخوان يتقنون التكيف مع بيئاتهم، وهم اليوم يطورون خطابًا ناعمًا موجهًا للغرب، يُظهرهم كحماة للهوية الإسلامية، بينما يخفي حقيقة مشروعهم الهادف إلى اختراق الدولة وتفكيك منظومتها من الداخل.
وأضاف عيد - قي تصريحات خاصة لـ"العرب مباشر" - أن الخطورة لا تكمن فقط في وجود 280 جمعية ومسجد مرتبط بالجماعة، بل في قدرتهم على استقطاب الجيل الثاني والثالث من المسلمين في فرنسا، باستخدام قضايا الهوية والتهميش وسلاح وسائل التواصل الاجتماعي، و الإخوان لا يحتاجون إلى العنف لإحداث الأثر؛ فهم يراهنون على التخريب البطيء، وبناء شبكة نفوذ طويلة المدى عبر التعليم، والإعلام، والعمل الاجتماعي، وهو ما يصعب مواجهته بالطرق الأمنية التقليدية.