سوريا بلا قيود.. أوروبا ترفع العقوبات وتغازل إعادة الإعمار
سوريا بلا قيود.. أوروبا ترفع العقوبات وتغازل إعادة الإعمار

في تحول دراماتيكي يعكس تبدلات عميقة في المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط، أعلن الاتحاد الأوروبي رفع جميع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، واضعًا حدًا لسنوات من القيود التي شلّت مفاصل الاقتصاد السوري.
الخطوة، التي جاءت بعد سقوط نظام بشار الأسد وبروز قيادة سورية جديدة، تمثل أول اعتراف أوروبي ضمني بشرعية المرحلة السياسية الراهنة في دمشق، وتفتح الباب أمام أوروبا للعودة إلى الساحة السورية من بوابة الإعمار والمصالح الاستراتيجية، لم يكن القرار مفاجئًا تمامًا، بل تتويجًا لمسار من التخفيفات التدريجية التي بدأها الاتحاد في وقت سابق من هذا العام. لكنه يشير إلى رغبة غربية متزايدة بإعادة رسم العلاقة مع سوريا، في ظل تراجع الاهتمام الدولي بملف المحاسبة، وصعود الاعتبارات الاقتصادية والبراغماتية، فهل يعني ذلك أن أوروبا طوت صفحة الحرب تمامًا، أم أنها تراهن على مستقبل سياسي ما يزال في طور التشكُّل؟
*تحولًا نوعيًا*
بعد أكثر من عقد من العزلة والعقوبات المشددة، فاجأ الاتحاد الأوروبي الأوساط الدبلوماسية والدولية بإعلانه الرسمي رفع جميع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، في قرار يُنظر إليه بوصفه تحوّلًا نوعيًا في سياسة أوروبا تجاه دمشق، لاسيما بعد الانهيار المفاجئ لنظام بشار الأسد نهاية العام الماضي، وصعود قيادة جديدة تَعِد بإصلاحات سياسية ومؤسساتية.
القرار الأوروبي، الذي أقرّه سفراء الدول الأعضاء الـ27 في اجتماع مغلق ببروكسل، يُنتظر أن يدخل حيّز التنفيذ فور إعلان وزراء الخارجية الأوروبيين عنه في بيان رسمي خلال ساعات.
وأكدت مصادر دبلوماسية مطّلعة، أن التوافق داخل الاتحاد لم يكن سهلًا، وأن بعض الدول كانت مترددة خشية إعطاء إشارات خاطئة بشأن ملف العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان، إلا أن الكفة رست في النهاية لصالح الانفتاح السياسي والاقتصادي على دمشق.
هذا القرار يأتي بعد أشهر من التمهيد الدبلوماسي، حين علّق الاتحاد في فبراير الماضي مجموعة من العقوبات التي طالت قطاعات حيوية كالنقل والطاقة والبناء، مبررًا الخطوة بـ"أسباب إنسانية" ودعم التعافي المبكر، في ظل المتغيرات السياسية على الأرض السورية.
وتُفسَّر هذه الخطوة الأوروبية في سياق أوسع من إعادة ترتيب أوراق النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، إذ تخشى بروكسل من ترك الساحة السورية فارغة أمام الصين وروسيا وإيران، الذين استثمروا مبكرًا في علاقاتهم مع النظام الجديد في دمشق.
وبالتالي، فإن قرار رفع العقوبات يحمل في طياته بُعدًا براغماتيًا، يعكس سعي الأوروبيين إلى الحفاظ على موطئ قدم في سوريا ما بعد الحرب.
*إشارة قوية*
في دمشق، لم يتأخر الرد كثيرًا. وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني وصف القرار بأنه "إشارة قوية على وجود إرادة إقليمية ودولية لدعم سوريا".
مشيرًا أن الأبواب أصبحت مفتوحة أمام من يريد الاستثمار في البلد المنكوب، مؤكدًا أن الحكومة الجديدة "مصمّمة على بناء شراكات شفافة"، مع التزامها بـ"إعادة الثقة بالمؤسسات، وحماية الأقليات، وتكريس الحريات العامة".
الخطوة الأوروبية رحّب بها أيضًا حلفاء سوريا الإقليميون، الذين اعتبروها "تصحيحًا متأخرًا لمسار طويل من العزلة العقابية"، كما جاء في بيان مشترك أصدرته وزارتا خارجية العراق ولبنان.
لكن هذا الانفتاح الأوروبي لا يخلو من شروط وضمانات. فالاتحاد أعلن بوضوح أنه يحتفظ بحق إعادة فرض العقوبات في حال تنكرت القيادة السورية الجديدة لالتزاماتها السياسية، خصوصًا في ما يتعلق بحقوق الأقليات، والفصل بين السلطات، والانتقال نحو انتخابات حرّة وشفافة.
*مخاطر سياسية*
من جهتها، رأت مراكز أبحاث أوروبية، أن القرار يحمل مخاطر سياسية، منها إعطاء انطباع بأن انتهاكات المرحلة السابقة تمّ تجاوزها دون محاسبة. غير أن مسؤولين في بروكسل دافعوا عن الخطوة بوصفها "استثمارًا في الاستقرار"، خصوصًا في ظل تزايد الهجرة غير النظامية، وعودة نشاط شبكات تهريب البشر انطلاقًا من الشواطئ السورية.
ويُنتظر أن يؤدي رفع العقوبات إلى تنشيط حركة الاستثمارات الأوروبية في مشاريع إعادة الإعمار، خاصة في البنية التحتية والكهرباء والقطاعات الخدمية.
كما يتوقع خبراء أن تبدأ شركات أوروبية كبرى بفتح مكاتب تمثيلية في دمشق، وربما تدشين خطوط جوية وتجارية جديدة خلال الشهور المقبلة، بعد إتمام المشاورات القانونية والضريبية.