تفكيك الغموض النووي.. إيران تزعم اختراق أرشيف إسرائيل السري
تفكيك الغموض النووي.. إيران تزعم اختراق أرشيف إسرائيل السري

في تطوّر غير مسبوق في سجالات الحرب الاستخباراتية بين إيران وإسرائيل، أعلنت طهران عن تنفيذ عملية أمنية وُصفت بـ"المعقدة والناجحة" داخل العمق الإسرائيلي، حصلت خلالها على ما قالت إنها وثائق استراتيجية تتعلق بالبرامج النووية والعسكرية الإسرائيلية.
الإعلان الذي جاء عبر بيان رسمي صادر عن وزارة الأمن الإيرانية، يتجاوز حدود الاستعراض السياسي التقليدي، ليحمل في طيّاته رسائل متعددة: أمنية، دعائية، وأيضًا دبلوماسية موجهة إلى المجتمع الدولي، الوثائق، كما تؤكد طهران، تتضمن تفاصيل دقيقة عن منشآت وأبحاث وتعاونات سرّية تشمل مؤسسات أمريكية وأوروبية، في خطوة قد تعيد فتح ملف التواطؤ الدولي في دعم الترسانة النووية الإسرائيلية المغلقة دومًا أمام الرقابة الدولية، وبينما تصف إيران العملية بـ"الرد غير المباشر" على الاتهامات الغربية، تبدو الرسالة الأعمق موجهة إلى إسرائيل نفسها: الحصون الأمنية قد لا تكون منيعة كما يُعتقد.
وثائق استراتيجية عالية الحساسية
في بيان مطوّل صدر اليوم الثلاثاء، أعلنت وزارة الأمن الإيرانية تنفيذ عملية استخباراتية "معقّدة" داخل الأراضي الإسرائيلية، أدّت – بحسب الرواية الرسمية – إلى الحصول على "وثائق استراتيجية عالية الحساسية" تتعلق بالبرامج النووية والعسكرية الإسرائيلية.
وأفادت الوزارة، أن العملية شكّلت "اختراقًا نوعيًا" لأجهزة الأمن الإسرائيلية، دون الكشف عن توقيت العملية أو كيفية تنفيذها، في ظلّ تعتيم إعلامي محكم.
مضمون الوثائق: خرائط، أسماء، وتعاونات سرّية
وفق البيان، فإن المستندات التي حصلت عليها طهران تضم خرائط وبيانات وأسماء علماء ومديرين مشاركين في مشاريع التسلّح النووي الإسرائيلي، إلى جانب صور وعناوين ومعلومات شخصية، بل وتفاصيل عن تجنيد خبراء أجانب للمساهمة في تلك المشاريع.
الأخطر – كما تصفه الوزارة – يتمثل في إثبات وجود دعم أمريكي وأوروبي موثّق لهذه البرامج، عبر ما وصفته بـ"عقود من التعاون الفني والأمني" أُبرمت بعيدًا عن أعين المنظمات الدولية.
وتأتي هذه المزاعم في وقت يواصل فيه الغرب، بحسب إيران، توجيه اتهامات لطهران بشأن نواياها النووية، رغم تأكيداتها المستمرة على الطابع السلمي لبرنامجها.
مزاعم التزييف والاختراق السياسي
اللافت، أن البيان لم يقتصر على الجوانب التقنية أو الأمنية، بل اتخذ منحى سياسيًا باتهامه إسرائيل بتضليل منظمات دولية، عبر تقديم "تقارير مزيفة" حول الأنشطة النووية الإيرانية، وهو ما انعكس – بحسب البيان – في تقارير تلك الهيئات ذاتها، ما يثير تساؤلات عن استقلالية المؤسسات الدولية ومدى اختراقها من قبل أطراف فاعلة.
هذا الاتهام، وإن كان مألوفًا في الخطاب الإيراني، إلا أنه يأخذ بُعدًا جديدًا عندما يُقدَّم مدعومًا بما تزعم طهران أنه "أدلة أصلية من داخل إسرائيل".
النشر التدريجي والتوظيف السياسي
وأوضحت الوزارة، أنها بصدد نشر أجزاء من الوثائق للرأي العام المحلي والدولي، مع إبقاء الأجزاء الأكثر حساسية للاستخدام الداخلي من قبل المؤسسات العلمية والأمنية الإيرانية، أو للتبادل مع "الدول الصديقة"، وهي عبارة تُستخدم غالبًا في الخطاب الإيراني للإشارة إلى روسيا، الصين، وحلفاء آخرين ضمن محور المقاومة.
كما ألمحت طهران إلى احتمال تزويد "منظمات معارضة لإسرائيل" ببعض هذه المواد، ما يطرح فرضية توظيف العملية في سياقات إعلامية أو قانونية، وربما تحريضية، في مساحات النفوذ الممتدة من غزة إلى بيروت وحتى أميركا اللاتينية.
إسرائيل تلتزم الصمت... حتى الآن
في الجانب الإسرائيلي، لم يصدر أي رد رسمي حتى لحظة إعداد هذا التقرير، الصمت قد يعكس محاولة لاستيعاب الحدث قبل التعليق عليه، أو نفيه لاحقًا.
إلا أن التجارب السابقة تشير أن تل أبيب، في حال صحّت الأنباء، قد ترد بأسلوب غير مباشر، إما عبر ضربة استخباراتية مضادة، أو عملية اغتيال دقيقة تُعيد التوازن في ميزان الردع.
أختراق معنوي
من جانبه، يقول د. محمد محسن الخبير في الشؤون الإيرانية: إن توقيت إعلان إيران عن هذه العملية الاستخباراتية ليس عفويًا، بل يحمل رسائل مركّبة على أكثر من مستوى.
وأضاف محسن -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، من الناحية التقنية، لا يمكن التحقق بسهولة من صحة الوثائق التي تزعم طهران الحصول عليها، لكن مجرد الإعلان، بهذه الصيغة التفصيلية، يكشف عن استراتيجية إعلامية تستثمر في فكرة "الاختراق المعنوي" قبل الاستخباراتي.
وتابع: الرسالة الرئيسية هنا موجّهة لإسرائيل: المنظومة الأمنية التي طالما تفاخرت بها، قد لا تكون منيعة، وربما يمكن تطويعها بأساليب جديدة لا تعتمد فقط على العملاء الميدانيين، بل على الحرب السيبرانية أيضًا.
الشق الآخر من الرسالة يستهدف المؤسسات الدولية والرأي العام الغربي، عبر محاولة قلب الرواية التقليدية التي تصوّر إيران كتهديد نووي، وتقديم إسرائيل كمن يراكم ترسانة سرية خارج الرقابة.