اغتيال ضباط المخابرات ومكافحة الفساد العراقي.. من المسؤول؟

تعرض ضباط في المخابرات العراقية لعمليات اغتيال

اغتيال ضباط المخابرات ومكافحة الفساد العراقي.. من المسؤول؟
صورة أرشيفية

جاء الحادث الثالث لاغتيال ضابط في جهاز المخابرات الوطني بالعراق، خلال الأشهر القليلة الماضية، ليسلط الضوء على انتهاج الميليشيات الإرهابية المدعومة من إيران لعمليات الاغتيالات الانتقامية  والتصفيات الجسدية لكل من يسعى لمواجهة الفساد في العراق.


فاتورة الفساد في العراق


وفي صباح يوم الجمعة الماضي، ظهرت مجموعة من المسلحين المجهولين يستقلون سيارة أجرة، اغتالوا النقيب محمد الشموسي قرب منزله في منطقة العمارة عاصمة محافظة ميسان الجنوبية، وهو الضابط المشرف على أوامر الاعتقالات التي تصدرها هيئة النزاهة في المحافظة، لملاحقة المتهمين بالفساد، في مواجهة مع واحد من أخطر الملفات التي تؤرق العراق.


ويتسبب الفساد في إهدار 450 مليار دولار سنويا في العراق منذ عام 2003؛ إذ هربت ثلث هذه الأموال إلى خارج البلاد، ما يساوي نصف عائدات النفط وضعفي إنتاج الناتج المحلي للبلاد. 


عمليات اغتيال متتابعة


وفي هجوم مماثل في شهر مايو الماضي، قتل ضابط آخر برتبة نقيب، وجاءت عملية الاغتيال بعد يوم واحد من مشاركة الضابط الضحية في اعتقال مطلوبين بتهم فساد في المحافظة نفسها، وكان من بين المعتقلين مسؤولون كبار بينهم مدير دائرة الضرائب فى ميسان.  


وفي بغداد تعرض ضابط كبير في جهاز المخابرات الوطني، أحد أهم الأجهزة الأمنية في العراق، لعملية اغتيال على أيدي مسلحين مجهولين في شهر مايو الماضي. 


وقال جهاز المخابرات الوطني في بيانه: إن الضابط المقتول يدعى نبراس فرمان شعبان وكنيته "أبو علي"، ويحمل رتبة عقيد، وكان يعمل سابقاً مدير مخابرات الرصافة شرق بغداد، بينما شغل قبيل جريمة اغتياله منصب معاون مدير المراقبة في جهاز المخابرات. 


وأضاف البيان: أن الضابط المذكور حاول مقاومة أفراد المجموعة المسلحة، وتبادل معهم إطلاق النار، إلا أن مسلحاً كان في سيارة ثانية للمجموعة من نوع "بيك آب" وجّه في اتجاهه طلقات نارية من بندقية كلاشينكوف فأردته شهيداً في الحال. 


وأكد بيان المخابرات العراقية، أن عملية الاغتيال كانت تهدف إلى ثني الجهاز عن القيام بواجباته، مشددًا على أن الفقيد كان مثالاً يُحتذى به في التفاني والإخلاص لخدمة وطنه وشعبه، وكان له الدور الأبرز في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة على امتداد سنوات خدمته.

وأكد بيان الجهاز أن دم الضابط الراحل "سيكون مناراً للاقتصاص من القتلة المجرمين الذين يحاولون سلب إرادة الدولة وإضعاف همة أبنائها".


وبعد تضارب في المعلومات بشأن حادثة الاغتيال بين أن يكون الضابط وُجد قتيلاً في منزله أو في الشارع، بعد مواجهة مع المجموعة المسلحة التي لاذت بالفرار، جاءت الرواية الرسمية لتؤكد على أنه اغتيل بعد ترجله من سيارته بنحو 10 أمتار.


بداية سلسلة الاغتيالات في مارس


وتشير الوقائع إلى أن استهداف الضباط بالتصفية الجسدية في العراق بدأت منذ شهر مارس الماضي، عندما تعرض ضابط في جهاز المخابرات العراقي لعملية اغتيال في منطقة المنصور غرب بغداد، إلا أن البيان الرسمي جاء في ذلك الوقت يقول: إن عملية الاغتيال تلك لم تكن لأسباب تتعلق بعمله بل لخلافات عائلية.


هل تقف جهات دولية خلف الاغتيالات؟


ومن جانبه، رجح سعد المطلبي، عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد (المنحل)، أن تكون هناك جهات دولية هي من يقف خلف اغتيال ضباط جهاز المخابرات العراقي عبر خطوط تابعة لها داخل الجهاز. 


وقال المطلبي، في تصريح له، إنه لا يستبعد أن "تقف خلف عمليات اغتيال ضباط في جهاز المخابرات جهات مخابراتية دولية، تسعى إلى تصفية خط داخل جهاز المخابرات العراقي". وأضاف أن "هناك أمراً مقلقاً جداً... أن يتم اغتيال ضباط في أهم جهاز أمني في العراق ولا يتم كشف الجناة... هذا أخطر ما يمكن حصوله".

9 أوامر ومذكرات اعتقال ضد فساد المسؤولين


كما كشفت هيئة النزاهة العراقية، أن تحقيقاتها توصلت إلى إصدار تسعة أوامر قبض وضبط واستقدام بحق مسؤولين كبار في البلاد بتهم الفساد الإداري والمالي. 


وقالت هيئة النزاهة الاتحادية في العراق، في بيان صحفي، إن "الإجراءات التحقيقية في عددٍ من الملفات والقضايا المهمة، أفضت إلى استصدار تسعة أوامر ومذكرات قبض وضبط واستقدامٍ بحق مسؤولين في مختلف محافظات العراق، بينهم رئيس مجلس محافظة كركوك السابق وبرلماني سابق ومستشار في رئاسة الجمهورية وعضو بمجلس محافظة كركوك ورئيس الجامعة التقنية الشمالية السابق ومدير قسم التوزيع في شركة توزيع المنتجات النفطية بمحافظة نينوى.


كذلك، شملت الأوامر المدير العام السابق لفرع مصرف الرشيد في محافظة ذي قار ومحافظ بابل السابق. وأوضحت الهيئة أن التهم الموجهة إلى المسؤولين تتعلق بقضايا فساد بالمال العام.


وتأتي تحركات هيئة النزاهة تزامنًا مع إعلان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، أن حربه ضد الفساد مستمرة، وأنه يشرف بنفسه على متابعة الملف، فكان الضابط المكلف من رئيس الوزراء لملاحقة المتورطين في الفساد بمحافظة ميسان.  


فيما أصبحت الاغتيالات هي الأسلوب المباشر الذي يلجأ إليه الإرهابيون والميليشيات المارقة الموالية للخارج، لاسيما ميليشيات الحشد المدعومة من إيران، والتي ترفض عادة أي إجراءات قانونية تتخدها الدولة ضد عناصرها المتورطين في عمليات الفساد.


بعد عامين من اغتيال الناشطين


وتأتي عمليات اغتيال الضباط العراقيين بعد سلسلة اغتيالات طالت الناشطين في الحراك الشعبي خلال العامين الماضيين، دون أي إعلان رسمي بشأن وصول التحقيق إلى كشف الجهات المسؤولة عن عمليات القتل والتصفيات الجسدية المستمرة.


ووفقًا لـ"فرانس برس"، شهدت ميسان النائية، التي يغلب عليها الطابع العشائري خلال الفترة الأخيرة سلسلة هجمات مسلحة بينها ما تم بعوات ناسفة، ضد مسؤولين محليين بينهم قاض، يتابعون قضايا الفساد في المحافظة، وفقا للمصدر ذاته.


بينما تؤكد قوات الأمن في العراق أنها تواجه اعتداءات على خلفية محاولاتها فرض القانون في بلد تهيمن فيه فصائل مسلحة وعشائر، ويحتلّ المرتبة 21 في العالم في سلم الفساد، حسب منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية.