صراع الهوية.. قصص نساء "الغفران" للبحث عن جنسياتهن

صراع الهوية.. قصص نساء
صورة أرشيفية

بعد أعوام طويلة عشنها "بلا جنسية" أو جواز سفر لدولة تعترف بهن، خضن نساء قطر "رحلة مثيرة" أمام الأمم المتحدة لكي يحاولن إثبات جذورهن وتاريخ أسلافهن الذين تم تهجيرهن بسبب معارضتهن لحكم آل ثاني ورفض الانقلاب على الشيخ خليفة بن حمد.

وبعد 26 عاماً عاشتها "بلا جنسية" أو جواز سفر لدولة تعترف بها، عدا وثيقة سفر أردنية تحددها كـ"لاجئة قطرية"، خاضت وعد الغفران "رحلة مثيرة" في جذورها وتاريخ أسلافها لتثبت أحقيتها في الجنسية القطرية وأن قبيلتها من جذور الأرض القطرية.

البحث عن الهوية

وعد التي ولدت وعاشت القسط الأكبر من حياتها في العاصمة الأردنية عمان، قبل أن تنتقل إلى بريطانيا لاستكمال دراساتها العليا، أعلنت أنها في 7 نوفمبر "كنت دائماً في صراع مع هويتي، دون أي إحساس بالانتماء أو الحق في أي بلد... فقط لأنني نتاج لأم وأب من عائلة الغفران ذات الأصول القطرية، ومع ذلك ليس لدي أي بلد من الناحية القانونية أنتمي إليه".

ولفتت إلى أنها "لطالما كانت لدي هذه الكراهية العميقة تجاه الوثيقة التي تعرفني بأني "لاجئة" في الأردن والإنكار المستمر لجذوري القطرية، والإنكار التام لوجودي في قطر على الأرض التي يجب أن تكون موطني، والافتقار إلى حقوق الإنسان الأساسية، والتمييز المستمر الذي أواجهه من البلدين اللذين أنتمي لهما ومن العالم الذي يعرفني بأنني عديمة الجنسية، كل ذلك بسبب الاضطهاد العرقي والديني...".

رحلة إثبات حقها في أرض قطر

عن بداية رحلتها التي وصفتها بأنها "رحلة من أجل الوجود الذاتي"، قالت وعد لـ"العرب مباشر": "بدأت الأسئلة حول كيفية التخلص من وثيقة لاجئة تراودني في سن المراهقة؛ إذ بدأت أشعر بنوع من الاضطهاد كلما سافرت إلى الأردن مع العائلة، كنا نقف أنا ووالدي ووالدتي وإخوتي بانتظار التدقيق في وثيقتنا".

وشددت: "لم أكن أتوقع من هذا الجهد سوى الحصول على بلد يعترف بوجودي كإنسانة".

وأردفت: "عندما أتممت دراستي الجامعية وذهبت إلى بريطانيا لاستكمال الماجستير، أوقفوني في المطار أكثر من ساعة لأجل الاستفسار عن وثيقة السفر التي أحملها. كان من بين الأسئلة: هذه قطرية أم أردنية؟ لكن أنت مولودة في الأردن؟ وخلصت النتيجة إلى أني سجلت من دون وطن!".

الصدفة تغير مصير وعد

من بريطانيا، بدأت الشابة، التي درست الهندسة المعمارية، البحث عن أصول لقبها، "الغفران"، وذلك منذ أكثر من ثلاث سنوات، لتجد بطاقة هوية قديمة لجدتها الكبرى في الأردن ضمن مجموعة من الوثائق التي احتفظت بها العائلة لعقود.

"كان من حسن حظي أن جدي أبقى دائماً جميع المستندات الممكنة في صندوق ببيروت وطلب من جدتي ألا تضيعها، لأنها قد تكون مفيدة يوماً ما"، قالت في مقابلة.

لم يكن سهلا أن تتقبل أسرة وعد، المحاضرة الزائرة وطالبة الدكتوراه في جامعة برمنجهام البريطانية، معاناة ابنتهم لتعود مرة أخرى إلى وطنها. 

الإنكار المبني على "اليقين المشترك الوحيد بأننا كلنا قطريون وطردنا من هناك بعد سنوات عديدة بفعل انقلاب حمد على والده، ولكن بدأ والد وعد يتفاعل مع محاولتها لإثبات جذورها.

قالت وعد لـ"العرب مباشر": "والدي أصبح الداعم الأكبر لي لأنه عانى 67 عاماً من اللجوء المتوارث والعنصرية". في حين تنسب الكثير من الفضل في تكليل رحلتها بالنجاح إلى محاميها في بريطانيا؛ إذ تعامل مع قضيتها "كقضية إنسانية بعيداً عن كل المتاهات الدينية والعرقية"، بالإضافة إلى باحث مختص في أميركا.

الانتصار على اضطهاد النظام القطري

وعد، التي تحضر الدكتوراه في بريطانيا حول كيفية إعادة إعمار المدن المنكوبة جراء الحروب في الدول العربية، تشدد باستمرار في منشوراتها على "اعتزازها وفخرها بأصلها القطري" وتعبر عن حبها العميق للدوحة التي لم تزرها يوماً، كما أنها ممتنة لدولة الإمارات التي نشأت فيها و"عاملتني ككل الوافدين على أرضها ولم تنظر إلي كلاجئة أسوة بدول الجوار التزاماً بوثيقة معاملة اللاجئين على أراضيها معاملة الوافدين دون تفرقة".

وهي في الوقت نفسه ورغم "العنصرية والفوقية والاضطهاد" التي عانتها في الأردن، تحدثت عن عشقها لهذا البلد.

مع ذلك، تلفت وعد إلى أن تجربتها "غيرت نظرتي لوجودي وحقوقي كإنسان بانتمائي إلى وطن يؤمن لي الاحترام والحقوق أينما وجدت". 

قالت وعد: "من الممكن أن منشوري قد يساعد في الإضاءة على معاناة نساء آل الغفران ويكون حلقة وصل لتلاقي القبيلة مرة أخرى".

تجد هبة أن النتيجة التي وصلت إليها من إثبات حقها في الجنسية القطرية "تستحق طبعاً" كل هذه المشقة التي تكبدتها خلال سنوات البحث عن أصولها وإثباتها، لكنها تشعر بـ"امتنان عميق وخاص" لدولة إنجلترا.

حصلت وعد على الجنسية القطرية عام 2019، أحد أشقائها ينتظر حصوله على الجنسية القطرية التي حصلت عليها بالفعل شقيقتها أخيراً في الشأن نفسه.

لا تخطط وعد إلى رفع دعاوى قضائية للحصول على تعويض من الحكومة القطرية عن سنوات التهجير التي عانتها هي وأسرتها، فقد كان الحصول على الجنسية "أقصى ما تحلم به"، على حد قولها.

وعن أثر التغيير الذي أحدثته الجنسية القطرية عليها، قالت: "لقد تغيرت حياتي بدءاً من عدم إحساسي بالدونية التي طالما شعرت بها (كلاجئة) وصولاً إلى سفري بحرية حيثما أردت، انتهاء بمساندتي كل من يشعر بالاضطهاد عن طريق الأمم المتحدة إن استطعت".