المدينة الإنسانية تتعثر.. وبديل عسكري أكثر عنفًا يطرق أبواب غزة

المدينة الإنسانية تتعثر.. وبديل عسكري أكثر عنفًا يطرق أبواب غزة

المدينة الإنسانية تتعثر.. وبديل عسكري أكثر عنفًا يطرق أبواب غزة
حرب غزة

في الوقت الذي تخوض فيه إسرائيل وحركة حماس مفاوضات شاقة قد تحدد ملامح مستقبل غزة، يكشف الجيش الإسرائيلي عن خطة بديلة تحمل ملامح أكثر شراسة من أي وقت مضى، الخطة التي وضعها رئيس الأركان إيال زامير، لا تكتفي بإنهاء حالة الجمود السياسي، بل تقترح تصعيدًا ميدانيًا دراماتيكيًا يعيد تشكيل خارطة السيطرة في القطاع، وبينما تُصنّف "المدينة الإنسانية" كمحاولة للتهجير المقنّع بحسب جهات حقوقية، تبدو الخطة الجديدة كرسالة عسكرية واضحة: إذا فشل الحل السياسي، فستعود الدبابات لتتحدث، المفارقة أن الخطة تلقى استحسانًا داخل مجلس الوزراء الإسرائيلي، في وقت يصر فيه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على تجميد تنفيذها مؤقتًا، متمسكًا بفرصة أخيرة لصفقة تبادل أسرى قد تنهار في أي لحظة، بين حسابات الحرب والتفاوض، يبدو أن غزة تُساق نحو مرحلة أشد دموية، تخطّها القيادات الإسرائيلية في كواليس مغلقة وتنتظر ساعة الصفر.

 

أكثر ضراوة

في تطور لافت يعكس تصاعد التوتر داخل دوائر صنع القرار الإسرائيلي، قدّم رئيس هيئة الأركان الجنرال إيال زامير خطة عسكرية بديلة لخطة "المدينة الإنسانية"، وصفها مسؤولون كبار بأنها "أكثر ضراوة ووضوحًا في تحقيق أهداف الحرب".

 

وتأتي هذه الخطة بعد تعثر الجهود الدولية والمفاوضات غير المباشرة مع حماس، وفشل الأطراف حتى اللحظة في إبرام صفقة تبادل أسرى أو التوصل إلى تسوية نهائية تضمن وقفًا طويل الأمد لإطلاق النار.

 

ووفقًا لما نقلته القناة 12 العبرية، تنص الخطة على توسيع نطاق العمليات البرية في قطاع غزة، مع الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي، بطريقة تصاعدية تُظهر لحماس، ومعها الرأي العام الفلسطيني، أن استمرار القتال سيؤدي إلى خسارة تدريجية ومتراكمة للأرض والموارد. 

 

ويبدو أن هذه الخطة تنطلق من مبدأ "الضغط بالتقدم"، عبر التقدم البري المدروس دون الدخول في معارك شاملة، وإنما عبر تقطيع أوصال القطاع عسكريًا واستنزاف قوى الفصائل تدريجيًا.

 

ما يثير الانتباه في هذا الطرح هو الحماس الذي أبداه وزراء في الحكومة الإسرائيلية تجاه الخطة، إذ أعربوا عن استيائهم من غياب الجدية في تبنيها، متهمين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه يعطل تنفيذها "خوفًا من الإضرار بفرص إبرام صفقة أسرى"، بحسب تعبيرهم. ويعكس هذا الانقسام داخل القيادة الإسرائيلية صراعًا بين من يراهن على الحسم الميداني، ومن ما يزال يعوّل على مسار تفاوضي قد يجنّب إسرائيل تبعات حرب استنزاف طويلة.

 

تهجير ممنهج

على الجانب الآخر من الطاولة، ما تزال "خطة المدينة الإنسانية" تُواجه بانتقادات لاذعة من منظمات حقوقية دولية، حيث اعتُبرت نموذجًا للتهجير القسري الجماعي.

 

فالمخطط، الذي تسعى إسرائيل لتنفيذه في منطقة معزولة جنوب القطاع على أنقاض رفح، يستهدف تجميع مئات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين بعد إخضاعهم لإجراءات أمنية، وسط ظروف إنسانية توصف بأنها أقرب إلى "معسكرات احتجاز ميدانية"، بحسب تقارير فلسطينية ودولية.

 

وبحسب التصور الإسرائيلي، فإن هذا النموذج من العزل يتيح لإسرائيل التعامل عسكريًا مع بقية القطاع دون "إزعاج مدني"، وهو ما تعتبره منظمات مثل "هيومن رايتس ووتش" و"أطباء بلا حدود" "جريمة تهجير ممنهجة"، إذ لا يُسمح للنازحين بمغادرة تلك المنطقة ولا العودة إلى ديارهم، ويُجبرون على الاعتماد على مساعدات تُدار بإشراف إسرائيلي مباشر عبر منظمات غير أممية.

اليأس السياسي

في حال فشل مسار المفاوضات في الأسابيع المقبلة، فإن خطة زامير ستُفعّل فورًا، مستندة إلى غطاء سياسي بات يتعاظم داخل المؤسسة العسكرية والحكومة.

 

وهنا، يبرز سؤال جوهري وفقًا لمراقبين، هل ستكون الخطة البديلة مجرد ورقة ضغط لتحفيز حماس على إتمام صفقة تبادل الأسرى، أم أنها تعكس نية إسرائيلية فعلية لإعادة رسم خطوط السيطرة في غزة بالقوة.

 

في هذا السياق، يرى مراقبون، أن القيادة السياسية والعسكرية تتجه أكثر فأكثر نحو ما يشبه "إستراتيجية الأرض المحروقة الهادئة"، أي خنق حماس عسكريًا دون إعلان حرب شاملة، إنما عبر عمليات متتالية تشبه الزحف البطيء نحو نصر غير مؤكد.

 

من جانبه، يرى د. محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية، أن خطة رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير تمثل تحوّلًا استراتيجيًا يعكس ما يمكن تسميته بـ"اليأس السياسي" من المسارات التفاوضية، مقابل تصاعد ثقة المؤسسة العسكرية بقدرتها على فرض وقائع ميدانية جديدة.

 

 ويضيف المنجي -في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، أن هذه الخطة لا تأتي فقط ردًّا على تعثر صفقة الأسرى، بل تحمل رسالة مزدوجة: الأولى لحماس بأن إسرائيل مستعدة لمرحلة تصعيد واسعة، والثانية للداخل الإسرائيلي بوجود بدائل أكثر فاعلية من خيار "المدينة الإنسانية"، الذي يوصف داخليًا بأنه "مشروع رمادي" لا يحقق نصرًا ولا يكرّس أمنًا.

ويؤكد المنجي أن إسرائيل تدرك حدود القوة في غزة، لكنها تراهن على سياسة "الاختناق التدريجي"، عبر السيطرة على الأراضي شيئًا فشيئًا، وتحقيق انهيار لحماس من الداخل بدلًا من حرب شاملة مكلفة.

 

ومع ذلك، يحذر من أن هذه الخطة قد تؤدي إلى كارثة إنسانية أوسع، وتفتح الباب أمام تدويل أعمق للملف، خصوصًا إذا تسببت في موجات تهجير جديدة، ما قد يزيد من وضع إسرائيل الحرج أمام شركائها الدوليين ويعيد إشعال الضغوط الدولية عليها، خاصة من واشنطن والاتحاد الأوروبي.