عمليات عسكرية وتتريك الأهالي.. كيف استغلت تركيا الأوضاع في شمال سوريا؟

يسعي أردوغان إلي تتريك الشمال السوري

عمليات عسكرية وتتريك الأهالي.. كيف استغلت تركيا الأوضاع في شمال سوريا؟
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

ما زالت أنقرة تسعى لتتريك شمال سوريا الذي تسيطر عليه بقوة السلاح، وعبر ميليشياتها المدعومة، متحدية المجتمع الدولي ورفضه لتلك الحروب التي تشنها تركيا خارج أراضيها، لكنها مستمرة في استغلال الأوضاع بسوريا بأسوأ الطرق.

الشمال السوري

في تصريحاته الأخيرة بنيويورك، خلال قمة الأمم المتحدة، قال وزير خارجية سوريا فيصل المقداد، إنهم سيطردون الجنود الأتراك والأمريكيين من البلاد كما حدث مع الإرهابيين، مشيرا إلى أن أبواب سوريا مفتوحة على مصراعيها لعودة آمنة وطوعية لجميع اللاجئين السوريين. 

واتهم المقداد الدول الغربية بالاستفادة من معاناة السوريين والتظاهر بالاهتمام بسلامتهم، مدينا الوجود العسكري التركي في شمال البلاد ومحاولة تتريكها، موضحا أن وجود الجنود الأتراك والأمريكيين غير قانوني ويشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.

كما اتهم المقداد تركيا بمواصلة دعم وحماية الجماعات الإرهابية، بما في ذلك جبهة النصرة في محافظة إدلب، وبالتالي انتهاك التزاماتها بموجب الاتفاقات التي تم التوصل إليها في نور سلطان وسوتشي، والتي حولت هذه الأنشطة المنطقة إلى حاضنة للإرهابيين الأجانب.

وأكد أن أنقرة ارتكبت جرائم حرب ضد السوريين، بما في ذلك قطع إمدادات المياه عن آلاف الأشخاص وتشريد السكان وتتريك قسري على الأراضي السورية المحتلة.

التمدد التركي

برزت مخططات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه سوريا منذ عدة أعوام، من أجل حلمه باستعادة الخلافة العثمانية، لذلك شن حربا بمزاعم مواجهة الحزب العمل الكردستاني، ودفع بتعزيزات عسكرية لإنشاء نقاط مراقبة على الطريق الدولي الواصل بين إدلب والحدود السورية مع تركيا والحدود السورية مع الأردن.

وسبق أن اعتمدت تركيا على وثائق عثمانية مشابهة لتبرير سيطرتها على مدينتي جرابلس ومنبج في محافظة حلب، زاعمة وجود مقابر تعود لقادة عثمانيين في مناطق أخرى شمالي سوريا، لفرض سيطرتها.

ومن إدلب إلى عفرين بحلب، امتدت الأطماع التركية في السيطرة على المزيد من الأراضي السورية، بمزاعم مواجهة الجماعات الكردية المسلحة، ولم يقتصر التتريك في سوريا على الاستيلاء على الأراضي، وامتد لكل أشكال الحياة بها.

كما فرضت الهيمنة التركية على السكان في اللغة والتجارة والشرطة والمدارس والجامعات والمؤسسات، حيث صدر مؤخرًا مرسوم بافتتاح كلية للطب ومعهد عالٍ للعلوم الصحية في بلدة الراعي بريف حلب، وسبقها مرسوم لافتتاح ثلاث كليات تابعة لجامعة غازي عنتاب في أكتوبر عام 2019.

كما تصدر جدار مبنى المجلس المحلي بمدينة أعزاز في حلب عبارة مكتوبة باللغتين العربية والتركية "التآخي ليس له حدود، وإلى جانبها رسم للعلم التركي وراية للمعارضة السورية، بحسب وكالة "فرانس برس"، موضحة أنه بجانب التواجد العسكري، تظهر أيضا المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة التركية خلال العامين الماضيين، في شمالي سوريا.

وأنشأت تركيا شبكة كهرباء في مدينة جرابلس، معلق عليها صورة أردوغان، وتنتشر محال البضائع التركية، ويُسمح في مكتب البريد باستخدام الليرة التركية فقط.

استغلال النظام التركي

ظهرت خطورة الدور التركي على سوريا وأراضيها، خاصة مع التمدد في الشمال السوري واستغلاله الأوضاع بين المواطنين، لفرض سيطرتهم 

كما استغلت أنقرة السوريين في إدلب والشمال السوري من خلال دفع مبلغ ١٠ آلاف ليره سورية، مقابل ولائهم لتركيا، وهو ما يعد أمرا مزعجا على مختلف الأصعدة.

ونفذت تركيا في سوريا عدة عمليات عسكرية في مناطق متفرقة منها عفرين وإدلب، ما تسبب في كوارث عديدة وتدمير منازل ونزوح اللاجئين، بينما استغلت أنقرة الأوضاع عبر ميليشياتها وتجنيد السوريين، بالإضافة لاستغلال الأوضاع والبلاد، وتحقيق نصر صوري على دماء الضحايا.

إنهاء الأطماع التركية

وأكد الدكتور بشير عبدالفتاح، الخبير بالشؤون التركية، أنه خلال اللقاء الروسي التركي أمس بسوتشي، ناقش فلاديمير بوتين وأردوغان الملف السوري والتفاهمات بشأن البلاد؛ حيث إنه هناك رغبة في تقليص الوجود التركي في ظل محاولاته استغلال الأوضاع بصورة متفاقمة.

وأضاف أنه توجد جهود لإنهاء التواجد التركي بسوريا، لذلك استقبل بوتين، بشار الأسد قبل أيام، وأعلنوا تقليص الوجود غير الشرعي، والمقصود به التركي والأمريكي، حيث إن روسيا تعتبر وجودها شرعيا، ولهذا أيضا شنت قوات الأسد وروسيا عمليات عسكرية قبل أيام ضد تركيا بسوريا وكان لها خسائر فادحة.

وتابع أن تركيا أعلنت أنها لن تنسحب من سوريا إلا بانسحاب كل القوات الأجنبية، فضلا عن تداول أخبار باستعدادها لشن عملية جديدة، ولكن سوريا أكدت أن القوات الأخرى الموجودة هي بناء على رغبتها.

وحول إنهاء الأطماع التركية المتفاقمة بشمال سوريا، أوضح أن المسألة تبدو معقدة للغاية، حيث يجب إنهاء الأعمال العسكرية تماما والتفاهم بين النظام والمعارضة للتوصل لحل والتصدي لذلك الاحتلال التركي وغيره من التواجد الأجنبي على أراضي سوريا.

ويستعد أردوغان حاليا لشن حرب جديدة في سوريا، حيث أرسل تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، وذلك تزامنا مع تكثيف روسيا ضرباتها الجوية في المناطق الشمالية الغربية، والتي تعد آخر معاقل المعارضة في سوريا، حيث عززت أنقرة كل القواعد العسكرية، وأرسلت مدرعات وجنودا وعتادا إلى المنطقة لاتخاذ مواقع قتالية.

وترى وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، أن أردوغان، يشعر بالقلق منذ فترة طويلة بشأن تدفق اللاجئين الذي قد ينشأ نتيجة لتقدم قوات النظام المدعومة من روسيا في إدلب، معقل المعارضة السورية، مضيفة أنه على الرغم من عدم ملاحظة أي سلوك عدواني حتى الآن، فإن الهجمات المتزايدة للطائرات الحربية الروسية وحشد قوات النظام السوري في المنطقة لفتت الانتباه مؤخرًا.