الإيرانيون يعيشون في السراديب والملاجئ.. ما السبب وراء تفاقم أزمة السكن؟

الإيرانيون يعيشون في السراديب والملاجئ

الإيرانيون يعيشون في السراديب والملاجئ.. ما السبب وراء تفاقم أزمة السكن؟
صورة أرشيفية

يعاني الشعب الإيراني من أزمة سكنية حادة تجبرهم على الاكتفاء بالأقل من الحد الأدنى للعيش الكريم، ففي ظل ارتفاع معدل التضخم وانخفاض الدخل وتدهور الاقتصاد، أصبح استئجار منزل في إيران أمرًا شبه مستحيل للكثيرين، وقد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة استئجار الأقبية والسراديب والغرف الضيقة كبديل للسكن العادي، وقد بلغت أسعار الإيجار لهذه الأماكن مستويات خيالية تفوق قدرة المواطنين الشرائية. 
 
أسعار خرافية 

وفقًا للإعلانات التي تنشرها المنصات العقارية على الإنترنت، فإن مساحة 60 مترًا مربعًا من السرداب في مدينة شيراز تكلف 130 مليون ريال (2347 دولارًا) مقدمًا وإيجارًا شهريًا، وفي مدينة مشهد، يمكن الحصول على قبو بمساحة 50 مترًا مربعًا مقابل 500 مليون ريال (903 دولارات) مقدمًا و50 مليون ريال (90 دولارًا) إيجارًا شهريًا، وفي منطقة طهرانبارس في العاصمة طهران، يبلغ سعر الإيجار الشهري لقبو بمساحة 180 مترًا مربعًا 300 مليون ريال (542 دولارًا)، بالإضافة إلى دفعة مقدمة قدرها 2 مليار ريال (3610 دولارات). 

هذه الأسعار تفوق بكثير الحد الأدنى للأجور في إيران، الذي يبلغ حوالي 90 مليون ريال (163 دولارًا) في العام 2023. كما أنها تتجاوز متوسط الدخل الشهري للمواطنين، الذي يقدر بنحو 250 مليون ريال (452 دولارًا)، وفقًا لمركز الإحصاء الإيراني. ويشير هذا المركز إلى أن معدل التضخم في إيران قد بلغ نحو 50 بالمئة في العام الماضي؛ مما أدى إلى انخفاض القوة الشرائية للمواطنين وارتفاع معدلات الفقر والبطالة. 
 
هل توفر الحكومة حلولًا؟ 

تدعي الحكومة الإيرانية أنها تعمل على مواجهة أزمة السكن من خلال تنفيذ خطط ومشاريع لبناء مساكن بأسعار معقولة للفئات المحتاجة، وقد أعلن الرئيس إبراهيم رئيسي عن نيته بناء مليون منزل سنويًا، وهو الوعد الذي تكرره في السنوات الأخيرة. وفي الأشهر الأخيرة، ادعى مسؤولو النظام أنهم بصدد بناء ما يقرب من مليوني وحدة سكنية في مختلف المحافظات. 

ومن بين هذه المشاريع، تبرز مدينة مخططة في محافظة طهران تبلغ مساحتها مليون متر مربع، والتي تستطيع استيعاب 20 ألف وحدة سكنية بأسعار معقولة، وقد ذكرت صحيفة الشرق الحكومية في 10 فبراير أن بناء 'شقق صغيرة' قد بدأ في هذه المدينة، وأن أعمال البنية التحتية الأولية قد انطلقت بالفعل. 

لكن الخبراء يشككون في هذه الخطط والمشاريع، ويقولون: "إنها لا تحقق الهدف المنشود من توفير سكن مناسب للجميع"، ويستندون في شكوكهم إلى إحصاءات التصاريح الصادرة لبناء المساكن، والتي تظهر أن عدد المساكن الجديدة في العام الماضي كان أقل بكثير من الأعداد المعلنة، ويضيفون أن الشقق الصغيرة التي تبنيها الحكومة لا تلبي احتياجات الأسر الكبيرة، وأن أسعارها ما زالت مرتفعة بالنسبة للفئات المستهدفة. 


 
موجة احتجاجات ضد التخصيص الفوري 

وفي خطوة أثارت غضبًا واسعًا بين النشطاء والمدافعين عن حقوق البيئة والمواطنين العاديين، أعلنت بلدية طهران عن تخصيص الأراضي الاحتياطية في بعض المناطق للشركات الصينية للبناء، واعتبر المعترضون هذا القرار تنازلاً عن السيادة الوطنية وتهديدًا للتراث الثقافي والتنوع البيولوجي. 

وقالوا: إن هذا القرار يخالف القانون الذي يحظر بيع الأراضي العامة للأجانب، ويطالبون بإلغائه وإجراء تحقيق في الفساد المتورط فيه، وقد نظموا مظاهرات ووقفات احتجاجية في عدة مناطق من طهران، ورفعوا شعارات مناهضة للتخصيص الفوري والتدخل الصيني في شؤون إيران. 

وقال أحد المحتجين في مقابلة مع إذاعة فردا: هذا القرار يعني أننا سنفقد مساحات خضراء ومناطق تاريخية ومواقع أثرية لصالح مصالح اقتصادية ضيقة. نحن لا نريد أن نرى طهران تتحول إلى مدينة مليئة بالأبراج الزجاجية والمولات التجارية والفنادق الفخمة. نحن نريد أن نحافظ على هويتنا وتنوعنا وجمالنا. 

وأضاف آخر، هذا القرار يظهر عدم احترام الحكومة للشعب وللقانون، كيف يمكنهم تخصيص الأراضي الاحتياطية دون دراسة مسبقة أو استشارة الخبراء أو الحصول على موافقة البرلمان؟ هل هم مستعدون للتعامل مع الآثار السلبية لهذا القرار على البيئة والصحة والمجتمع؟ 

وقد نظمت بعض الجمعيات والمنظمات الأهلية حملات توعية وتوقيع على الإنترنت للتعبير عن رفضهم للتخصيص الفوري والمطالبة بإلغائه. وقد حصلت إحدى هذه الحملات على أكثر من مليون توقيع في أقل من أسبوع. 
 
التشرد والفقر 

وفي ظل عدم قدرة الحكومة على حل أزمة السكن، يلجأ الكثير من الإيرانيين إلى حلول مؤقتة أو دائمة للنوم والعيش، والتي تعكس مدى تدهور ظروفهم المعيشية. 

وأشار تقرير لمركز أبحاث البرلمان الإيراني إلى ثمانية أشكال من التشرد في طهران، وهي: النوم في السيارات، والمقابر، والمساجد، والملاجئ، والأقبية، والسراديب، والأحياء العشوائية، والمنازل المهجورة، وأوضح التقرير، أن هذه الظاهرة تتزايد بسبب البطالة، والفقر، والإدمان، والعنف الأسري، والزواج المبكر، والطلاق، والمشاكل النفسية، والتمييز الاجتماعي. 

وقد أثار هذا التقرير ردود فعل متباينة بين المسؤولين والنشطاء والمواطنين، فبينما نفى بعضهم وجود مشكلة التشرد في طهران، واعتبروه مبالغة إعلامية أكد آخرون أن التشرد حقيقة مؤلمة لا يمكن إنكارها، وطالبوا باتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجتها وتحسين ظروف الفئات المهمشة والمحرومة. 

وقد أطلق بعض النشطاء حملات تضامنية على مواقع التواصل الاجتماعي لجمع التبرعات والمساعدات للمشردين والمحتاجين، ونشروا صورًا وفيديوهات توثق حالاتهم المأساوية. 
 
مستقبل مجهول 

يبدو أن أزمة السكن في إيران لا تزال بعيدة عن الحل، رغم الوعود والخطط التي تطرحها الحكومة بين الحين والآخر، فالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعاني منها البلاد تعرقل تنفيذ أي مبادرة فعالة وشاملة لتوفير سكن كريم للجميع.  

وفي ظل ذلك، يواجه الملايين من الإيرانيين صعوبات يومية في الحصول على مأوى، ويضطرون إلى الاستسلام للحلول البدائية أو المخيفة، أو البحث عن الهجرة واللجوء إلى بلدان أخرى.