ندوب لا تُمحى.. المجاعة الحالية في غزة ستؤثر على الأطفال مدى الحياة.. ما التفاصيل؟

المجاعة الحالية في غزة ستؤثر على الأطفال مدى الحياة

ندوب لا تُمحى.. المجاعة الحالية في غزة ستؤثر على الأطفال مدى الحياة.. ما التفاصيل؟
صورة أرشيفية

"في قلب غزة، حيث الأنقاض تروي قصص الحروب المتعاقبة، يعيش جيل من الأطفال يحملون على أكتافهم ثقل الحياة والنجاة، تقارير أممية تحدثت عن الأثر الصحي الخفي والمدمر للصراع، الذي يمتد ليشمل النسيج البشري الأكثر هشاشة "الأطفال"، هؤلاء الصغار، المحرومون من الأمان والغذاء، يواجهون مستقبلاً محفوفًا بالمخاطر الصحية، في عالم يتجاهل صرخاتهم وآلامهم، وفي كل يوم يمر، تزداد الفجوة بينهم وبين مستقبل يمكن أن يكون أكثر إشراقًا، مع كل لحظة حرمان من العناصر الغذائية الأساسية التي تُعد حقًا من حقوق الإنسان. 
 
*وضع إنساني كارثي* 

يشير الأطباء وخبراء التغذية إلى أن الأطفال في غزة، الذين ينجون بالكاد من نقص التغذية الحاد والقصف المستمر والأمراض المعدية والصدمات النفسية، يواجهون مستقبلًا محفوفًا بالمخاطر الصحية. 

ويُحرم هؤلاء الأطفال من القدرة على تطوير أدمغتهم وأجسادهم بشكل كامل، مما يؤدي إلى تأثيرات جسدية ملموسة مثل قصر القامة وضعف البنية الجسدية، وفقًا لما ذكرته الصحيفة. 

تُظهر تقارير منظمة الصحة العالمية، أن عشرات الأشخاص قد لقوا حتفهم في قطاع غزة، بسبب مضاعفات مرتبطة بسوء التغذية الناجم عن الحرب الإسرائيلية المستمرة، ويُعد ضعف التغذية عاملًا رئيسيًا يوقف نمو الدماغ. 

يقول رئيس قسم صحة الطفل العالمية بمستشفى الأطفال في تورونتو، الطبيب ذو الفقار بوتا: يُعاني الأطفال من نقص في الغذاء المتاح، وقد أدت غارة جوية إسرائيلية أسفرت عن مقتل 7 من عمال الإغاثة إلى تعليق العديد من منظمات المساعدة لعملياتها، مما يزيد من تفاقم الوضع الإنساني كارثي. 
 
*مجاعة وشيكة* 

يُحذر المسؤولون في المجال الإنساني من مجاعة "وشيكة" في غزة، ويحثون الحكومة الإسرائيلية على السماح بدخول المزيد من الغذاء عبر نقاط التفتيش الحدودية، تُظهر آثار الجوع على جسم الإنسان بوضوح، حيث يكون التأثير أكبر على الأطفال الأصغر سنًا.  

يحصل الإنسان على الطاقة في المقام الأول عن طريق تحويل الكربوهيدرات إلى جلوكوز، والذي يُعالج في الكبد ويُوزع في الجسم، وخاصة إلى الدماغ، بعد استنفاد مخزون الجلوكوز، يبدأ الجسم في الحصول على الطاقة من الدهون. وإذا لم يحصل الجسم على القوت الكافي، فإنه يحرق البروتين من العضلات للحصول على الطاقة، مما يؤدي إلى عدم قدرة الجسم على توصيل العناصر الغذائية الأساسية إلى الأعضاء والأنسجة الحيوية. 

تبدأ العضلات في الانكماش وتتوقف الأعضاء عن العمل بشكل صحيح، ولا يتمكن الجسم من تنظيم درجة الحرارة، ويصبح الجلد شاحبًا وقد تبدأ اللثة بالنزيف. يفقد الجهاز المناعي قدرته على إصلاح الجروح ومكافحة العدوى، مثل تلك التي تسبب الإسهال، الأمر الذي يمكن أن يخلق حلقة مفرغة تزيد من حرمان الجسم من العناصر الغذائية. 
 
*خطورة نقص التغذية* 

يقول دكتور كريم جميل، خبير التغذية: إن الجهاز الهضمي من أوائل الأجهزة التي تتأثر بشدة، حيث يؤدي نقص التغذية إلى انخفاض إنتاج حمض المعدة، والالتهاب المزمن، وتقلص المعدة، وفقدان الشهية، وفي حال توفر الطعام مجددًا، يجب أن يُقدم بحذر شديد، ويُفضل أن يكون ذلك تحت إشراف طبي. 

وأضاف في حديثه لـ"العرب مباشر"، يُعاني القلب أيضًا من تأثيرات سوء التغذية، حيث ينكمش ويقل تدفق الدم، مما يؤدي إلى تباطؤ معدل ضربات القلب وانخفاض ضغط الدم، وفي النهاية، قد يؤدي ذلك إلى فشل القلب، كما يتباطأ التنفس وتقل قدرة الرئة، مما قد يؤدي إلى فشل الجهاز التنفسي. 

وتابع خبير التغذية، مع استمرار الحرمان من الطاقة والمواد الغذائية الأساسية، يعاني الدماغ من اللامبالاة والإرهاق والتهيج، يحتاج الأطفال إلى طاقة أكبر من البالغين لتطوير أدمغتهم، مما يجعلهم أكثر عرضة للتأثيرات السلبية لنقص العناصر الغذائية، ويُعيق قدرتهم على التعلم في المستقبل. 
 
*فرص معدومة في المستقبل* 

تقرير "واشنطن بوست" تحدث عن حالة الطفلة نور التي تُعاني من التليف الكيسي، بسبب تأثيرات سوء التغذية بشكل مضاعف، وتقول والدتها: إن بشرتها بدأت تتقشر بشكل يشبه قشور السمك، وهو أحد الآثار الجانبية للجفاف، يُعالج مستشفى كمال عدوان حوالي 50 طفلًا أسبوعيًا من حالات الجفاف الشديد وسوء التغذية. 

يعيش أكثر من 90% من الأطفال الصغار والنساء الحوامل والمرضعات في غزة على مجموعتين غذائيتين أو أقل يوميًا، مثل الخبز فقط. 

وتواجه اليونيسيف صعوبات في إيصال الأغذية العلاجية الجاهزة للاستخدام إلى شمال غزة، وهي عجينة زبدة الفول السوداني المليئة بالفيتامينات والمعادن اللازمة لعلاج سوء التغذية الحاد. 

من جانبهم، حذر الخبراء من أن الأطفال حديثي الولادة قد يموتون بسبب انخفاض الوزن عند الولادة، ويواجه الناجون مخاطر صحية متزايدة، يُطور الأطفال الذين لا يستهلكون المغذيات الدقيقة جهاز مناعة أضعف، مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالعدوى التي يمكن أن تسبب الإسهال والالتهاب الرئوي والحمى. يمكن أن يؤدي سوء التغذية أيضًا إلى إعاقة النمو البدني على المدى الطويل. 

تختتم "واشنطن بوست" تقريرها بالتأكيد على أن الجوع يترك خسائر اجتماعية طويلة الأمد، وأن أطفال غزة يحملون علامات المجاعة مع تقدمهم في السن، مما يحد من فرصهم في التعليم والتوظيف في المستقبل.