كورونا تفتك بالعمال في قطر.. وفيات وإصابات وسط صمت وإهمال الحكومة

كورونا تفتك بالعمال في قطر.. وفيات وإصابات وسط صمت وإهمال الحكومة
صورة أرشيفية

بين دعم الإرهاب والاعتقال القسري وجرائم السجون ونشر التميز، تعددت انتهاكات قطر الجسيمة لكل من على أرضها، ليسقط ضحية لها المئات والآلاف، وفي مقدمتهم العمال الأجانب المشاركون في تشييد منشآت كأس العالم 2022، ليفاقم فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" من معاناتهم.


معاناة العمال وكورونا


مع تفشي فيروس كورونا المستجد في قطر ببداية العام الجاري قادما من إيران، سقط العمال الأجانب كأول ضحاياه، ليتكسبوا رسميا صفة "المعذبين في الأرض".


وفي شهر مارس، وثق تقرير لقناة CBS News الأميركية، تلك الجرائم التي يتعرض لها العمال، مؤكدا أن أخطر بقعة الفيروس هي في مخيمات العمال، حيث إن السلطات المعنية تخفي الكثير من التفاصيل ولا تفصح عن مواقع الإصابات.


وكشفت القناة الأميركية أن مخيمات العمالة الضخمة تعاني من سوء الخدمات وتردي الأوضاع الإنسانية، لذلك انتشر الفيروس، خاصة أن أقل من 10% من سكان قطر البالغ عددهم 2.5 مليون نسمة هم قطريون، في حين يعمل حوالي 600 ألف عامل معظمهم من الشباب وغير القطريين في مشاريع البناء.

المخيمات كارثية


تعتبر المخيمات المخصصة للعمال على أطراف الدوحة، هي سبب دائم لانتقادات دائمة من قِبل جماعات حقوق الإنسان بسبب التكدس الكبير وظروف المعيشة السيئة، في ظلها أكد البنك الدولي أنه جعل قطر أرضا خصبة لانتقال كورونا، حيث إن الزيادة بدأت ترتفع بشكل كبير من أسبوع إلى آخر، لما يقرب من 29000 في أقل من شهرين، داخل معسكرات العمل.

مظاهرات العمال


وخلال العام الجاري وتحديدًا بشهر رمضان، تأجج الضغط على العمال الأجانب في الدوحة، الذين خرجوا في مظاهرات حاشدة اعتراضا على عدم دفع أجورهم، حيث تجاهلتهم الحكومة مع تفشي كورونا وتراجع أسعار النفط، وأغلقوا طريقا رئيسية في حي مشيرب في الدوحة على مرأى من عناصر الشرطة، بينما ألقت وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية، القبض عليهم، وفتحت تحقيقًا فوريًا في الواقعة، لتضرب قائمة بأسوأ مثال في معاملة العمال الوافدين على أراضيها.


وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، تلك المظاهرات للعمال في قطر، احتجاجا على أوضاعهم، منددين بالانتهاكات الجسيمة لهم.

هيومن رايتس ووتش: لن تنتهي الممارسات المسيئة 
وبسبب أوضاعهم المتردية والظروف القاسية غير الإنسانية التي يعيشون فيها، ومنعهم من العودة إلى ديارهم أو الحصول على رواتبهم، حيث علقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" على ذلك الأمر، مؤكدة أن ذلك يأتي رغم تفعيل بعض الإصلاحات العمالية على مدار السنة الماضية، إلا أن السلطات القطرية لم تلغ نظام الكفالة الذي يثير سخط العمال والجهات الحقوقية في العالم.


 وأضافت المنظمة الحقوقية أن العمال الوافدين يخضعون في قطر لنظام عمل استغلالي يعرضهم لخطر العمل الجبري، حيث يحاصرهم في ظروف عمل تهدد حقوقهم في الأجور العادلة، والأجر الإضافي، فضلا عن السكن اللائق، وحرية التنقل، والقدرة على اللجوء إلى العدالة، مشددة على أن هذه الانتهاكات الخطيرة والممنهجة لحقوق العمال الوافدين في قطر، عادة ما تنبع من نظام الكفالة الذي لم يُلغَ بعد، وهو النظام الذي يربط تأشيرات العمال الوافدين بأصحاب عملهم ويقيد كثيرا قدرتهم على تغيير صاحب العمل.


وقالت مديرة قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس"، "لما فقيه": إن قطر تحظر الإضراب وتحظر الانضمام إلى النقابات، مضيفة أنه "لن تنتهي الممارسات العمالية المسيئة التي تدفع العمال إلى هذه المخاطرة، إلا عندما تفي الحكومة القطرية بوعدها بإلغاء نظام الكفالة".

أرقام مثيرة للجدل


وفي ظل تفشي الأعداء والإهمال الطبي البالغ للعمال، شككت مختلف الجهات الصحية في الأرقام التي تعلنها الدوحة، بينما أوردت إحصائية نشرها مركز الأمراض الانتقالية التابع لمؤسسة حمد الطبية بقطر، في منتصف العام الجاري أرقاما مثيرة للجدل، حيث إن نسب الإصابة بفيروس كورونا في الدوحة، وفقاً للجنسية، فإن "الهند: 32%، نيبال: %20، بنجلاديش: 18%، باكستان: 6%، الفلبين: 4%، قطر: 6%"، وهو ما يظهر أن العمال الأجانب من آسيا، هم الضحايا الأكبر للفيروس، حيث قدمهم تنظيم الحمدين كقرابين لكورونا، بعدما فشلت وسائلهم في منع تفشيه.

حرق جثث الموتى


سجل الفيروس تلك النسب الكبيرة بين العمال الأجانب في قطر، لعدة أسباب، منها عزلهم في المنطقة الصناعية بالدوحة دون أي مراعاة للإجراءات الاحترازية والتعليمات الطبية لمنع انتشار المرض بينهم، فضلاً عن تدهور المعيشة في تلك المناطق، ورغم ذلك واصلت السلطات القطرية العمل في مشاريع بناء ملاعب كأس العالم والمشاريع الضخمة الخاصة بالمونديال، حيث يبلغ عدد الإصابات المؤكدة بين العمال النسبة الأكبر والمئات من الإصابات بقطر، التي لم تعلن حتى الآن عن الأعداد الحقيقية بينهم.


وبعد أن أغلقت عليهم معسكرات الموت وغياب الرعاية الصحية الكاملة عنهم، باتت السلطات القطرية تحرق جثث ضحايا العمال الأجانب في الخفاء بعيداً عن الأنظار العالمية، وهو ما اكتشفه القطريون بأنفسهم، الذين يشتكون من رائحة الحرائق المتكررة بشكل مثير للجدل.


مطالبة دولية


ومنذ انتشار أزمة كورونا في قطر وبعد انتهاكاتها بحق العمال، شهد ذلك رفضاً عالمياً ضخماً، حيث طالب ائتلاف يضم 16 منظمة غير حكومية، بالإضافة لكل من "العفو الدولية" و"هيومان رايتس ووتش"، و"ميغرنتس رايتس" وهيئات حقوقية دولية أخرى، السلطات القطرية بضرورة حماية حقوق العمال الأجانب بالبلاد وحمايتهم من التمييز، في ظل انتشار فيروس كورونا.


ووجهوا رسالة إلى رئيس الوزراء القطري ووزير الداخلية، خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثاني، تتضمن مطالبة الحكومة بالدوحة بأهمية اتخاذ إجراءات لأجل مراعاة حقوق العمال الأجانب، وحذرت من مغبة التمييز ضدهم.


كما طالبوا قطر بأهمية استفادة كافة العمال الأجانب، بمن فيهم المخالفون، من الكشف عن فيروس كورونا والعلاج الطبي، في حال الإصابة، مشيرة إلى الذين لا يستطيعون العمل في الدوحة، بسبب الإصابة أو من جراء إجراءات الحجر الصحي، فينبغي أن يستمروا في الحصول على أجورهم.


وأوضحت أنه بينما يكافح العالم لاحتواء انتشار فيروس كورونا، فإن العمال المهاجرين المحاصرين في مخيمات مثل تلك الموجودة في قطر معرضون بشكل أكبر لتفشي الوباء بينهم، كونها مزدحمة للغاية وتفتقر إلى المياه الكافية والصرف الصحي وهو ما يعني أن العمال سيكونون حتماً أقل قدرة على حماية أنفسهم من الفيروس.

رغم المطالبات قطر مستمرة


ولعل واحدًا من الأزمات المثيرة للتساؤل والجدل العالمي هو استمرار قطر في تنفيذ منشآت كأس العالم لكرة القدم، رغم تلك الإصابات، فضلا عن الأزمات العديدة التي تواجه العمال فيه، وسط مطالبات  لمنظمات حقوق الإنسان بالتدقيق على الاستنزاف البشري للعمال في قطر.


وهو ما يقع تحت بند الانتهاكات الحقوقية للعمال في قطر المعروفة بأنها من أبرز القضايا التي اعترض عليها العالم، لذلك أبرزها  التقرير الأممي الخاص بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز من قبل المدعوة Ms. E Tendayi Achium  الذي نشر مؤخراً من قِبل منظمة هيومن رايتس ووتش.


وتستغل الدوحة بشكل منهجي مليوني عامل أجنبي يعملون في البلاد وتمارس كافة الانتهاكات وأساليب القمع ضدهم، بانتهاكات سافرة يعاقب عليها القانون، رغم استغاثات العمال الأجانب في قطر، وعلى رأسهم الآسيويون.


ومن بين الأزمات التي تلاحق العمال تأخير تسليم رواتب العمالة لعدة شهور بسبب سوء الوضع الاقتصادي القطري، وعدم وجود ضمانات صحية للعمالة وزيادة نسبة وباء كورونا بين العمالة الآسيوية في المدن العمالية.


كما تعاني العمالة الآسيوية المكلفة ببناء ملاعب كأس العالم من حرمان السفر إلى الخارج لكثرة المشاكل وعدم عودة الغالبية ممن خرجوا سابقا بسبب الظلم وعدم وجود ضمانات لحقوقهم مما أثر سلبا على نقص عدد العمالة، بالإضافة لعدم توافر شروط الصحة والسلامة المهنية بالإضافة للعمل على ما يزيد عن 12 ساعة يوميًا دون صرف بدلات للساعات الإضافية.


وتأتي في مقدمة الأزمات التي يواجهها العمال الأجانب في قطر، هي الحالة الصحية المتدهورة، والجوع والاهتمام الطبي، وهو ما فضحه تفشي كورونا في مخيمات العمال، التي تعاني من سوء الخدمات وتردي الأوضاع الإنسانية، لذلك انتشر الفيروس.

معدات قاتلة وتدهور صحي


وفي أحدث التقارير التي توثق تلك الجرائم والانتهاكات، هو تقرير للمجلة العالمية لأمراض القلب وممارساتها، التي أكدت أن العمال الأجانب للمونديال يعيشون في ظروف غير آدمية وأوضاع صحية متدهورة وتفشي لفيروس كورونا المستجد، حيث توفي أكثر من 1200 عامل ماتوا أثناء العمل في البنية التحتية لملاعب كأس العالم 2022، في عام 2015.


وأضافت المجلة أن السبب الرئيسي في تلك الوفيات العالية سببه هو الإصرار على تشغيل العمال في ظل ارتفاع درجة الحرارة، وأن 22% من الوفيات في فصل الشتاء جراء النوبات القلبية والسكتة القلبية، فيما بلغت نسبة الوفيات بالصيف الحالي حوالي 58%، بسبب أمراض القلب، وما استخلصته، بسبب ضربات الشمس القاتلة التي لم تتمكن أجسادهم الهزيلة من مقاومتها.


وأشارت إلى أنه عانى العمال أيضًا من تدهور المعدات القطرية التي تم إمدادهم بها، ما كان أحد الأسباب وراء مقتل الكثير منهم خلال الأعوام الماضية، ومن بين الضحايا، كان المهندس البريطاني المولود في جنوب إفريقيا زاك كوكس، الذي لقي مصرعه، في يناير 2017، أثناء عمله في بناء ملعب خليفة الدولي، حيث قال لم تكن المعدات مطابقة للمواصفات، لذلك سقط من على ارتفاع 39 مترًا بعدما انقطعت الرافعة الخشبية التي كان يستخدمها، ليسقط على رأسه.


وقالت الطبيبة الشرعية فيرونيكا هاميلتون، خلال التحقيقات في برايتون، إن المديرين كانوا على علم بأن المعدات قاتلة التي يمنحوها للعاملين، مضيفة أن ظروف العمل في الملاعب القطرية تعتبر: "فوضوية وغير احترافية ولم يتم التفكير بها وخطيرة للغاية".


بينما أوردت صحيفة "الجارديان" البريطانية أن قطر لا تقوم بتشريح جثث الموتى، لتصعيب مهمة الكشف في ملابسات الوفاة، والإهمال المسبب للقتل، بالإضافة إلى عدم تعويض الأهالي عن مقتل ذويهم وتهديدهم.