بين الانقسام والوساطة.. معركة الصراخ في حكومة نتنياهو حول هدنة غزة
بين الانقسام والوساطة.. معركة الصراخ في حكومة نتنياهو حول هدنة غزة

في لحظة بالغة الحساسية من مسار الحرب في غزة، تحوّل اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي إلى ساحة تجاذب عاصفة، عكست حجم التصدع داخل المؤسسة الحاكمة بشأن سبل إنهاء المواجهة مع حركة حماس، فبين صراخ وتصادم وطرق على الطاولة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، انكشفت معركة سياسية داخلية لا تقل ضراوة عن الصراع الميداني، أمام مقترح جديد لوقف إطلاق النار تقدمت به وساطة ثلاثية من واشنطن والقاهرة والدوحة، تباينت مواقف الوزراء بشكل حاد، خاصة بشأن إرسال المساعدات إلى شمال غزة وشروط الصفقة المطروحة، وبينما يسعى نتنياهو للحفاظ على تماسك الائتلاف واسترضاء حلفائه المتشددين، تلوح في الأفق معضلة أكبر: كيف سيتعامل مع رد حماس، الذي وصفه مكتبه بـ"غير المقبول"، وهل تضع إسرائيل على الطاولة "عرضًا أخيرًا" قبل الانفجار المقبل؟
*خلافات وغضب*
في ليلة سياسية مشحونة، احتدمت الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية خلال اجتماع استمر قرابة خمس ساعات برئاسة بنيامين نتنياهو، ناقشت خلاله القيادة الإسرائيلية آخر المستجدات المتعلقة بوقف إطلاق النار المقترح في قطاع غزة.
الاجتماع الذي عُقد السبت في أجواء مشدودة، لم يكن مجرد جلسة تشاورية، بل شهد صراعًا صريحًا بين جناحين داخل الحكومة، أحدهما يدفع نحو المضي في مسار الصفقة، والآخر يخشى من أن يكون ذلك تنازلاً مفرطًا لحركة حماس.
بحسب القناة 14 العبرية، ارتفعت حدة التوتر عندما دخل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في مشادة كلامية حادة مع رئيس أركان الجيش إيال زامير، وصلت إلى تبادل الصراخ، عندها، ضرب نتنياهو الطاولة غاضبًا، وطالب الطرفين بالتحول إلى نقاش موضوعي "يخدم المصلحة الأمنية لإسرائيل"، وفق ما نُقل عن مصادر مطلعة حضرت الجلسة.
*أزمة المساعدات*
الانقسام كان أكثر وضوحًا عندما طُرح على طاولة التصويت مقترح يتعلق بإقامة مناطق مساعدات إنسانية تُفصل فيها المدنيون الفلسطينيون عن عناصر حماس.
ورغم تمرير المقترح بموافقة الأغلبية، فإن الوزيرين إيتمار بن غفير وسموتريتش رفضا بشكل قاطع إرسال أي مساعدات إلى شمال قطاع غزة، معتبرين أن تلك المساعدات تقع "في يد العدو"، حسب تعبير بن غفير.
الموقف الرسمي الذي صدر لاحقًا عن مكتب رئيس الحكومة لم يحمل أي مؤشرات لتقدم جوهري، بل أكد أن التعديلات التي قدمتها حركة حماس على المقترح القطري "غير مقبولة"، وأضاف البيان أن إسرائيل تلقت تلك التعديلات مساء السبت، وأنها أبدت اعتراضًا فوريًا عليها.
رغم هذه اللهجة المتصلبة، اتخذ نتنياهو خطوة لافتة بإرساله وفدًا تفاوضيًا إلى الدوحة صباح الأحد، في مؤشر على بقاء خيط رفيع للتفاوض، وإن كان هشًا.
في الوقت ذاته، يستعد نتنياهو للتوجه إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في زيارة قد تشكل منعطفًا حاسمًا في مسار الحرب والوساطة.
*مصير غزة*
الاقتراح الذي يجري التداول بشأنه منذ أسابيع، ينص على وقف إطلاق نار يمتد لستين يومًا، مقابل إفراج تدريجي عن قرابة 50 رهينة تحتجزهم حماس، بينهم قتلى وفق التقديرات الإسرائيلية، مقابل الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين.
ويتضمن المقترح كذلك فتح المجال لإيصال المساعدات الإنسانية بشكل موسّع، مع محاولة التوصل خلال فترة الهدنة إلى اتفاق دائم ينهي الحرب المستمرة منذ شهور.
من جانبها، أكدت حركة حماس أنها قدمت ردًا إيجابيًا على المقترح، لكنها شددت في الوقت ذاته على ضرورة "توضيح" عدة نقاط أبرزها: مصير قطاع غزة بعد الستين يومًا، وضمان انسحاب القوات الإسرائيلية من كامل القطاع، وإزالة القيود عن دخول المساعدات.
في المقابل، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب: إن إسرائيل وافقت بالفعل على الشروط الأساسية لوقف إطلاق النار قبل أيام، وهو تصريح يشير إلى ضغوط أميركية لتمرير الصفقة، في وقت يبدو فيه أن الداخل الإسرائيلي يشهد انقسامًا حادًا بشأن توقيتها وطبيعة ما يمكن التنازل عنه.
الشارع الإسرائيلي بدوره لا يقف على قلب رجل واحد، بعض العائلات الإسرائيلية التي تحتجز حماس أبناءها رهائن تطالب الحكومة بالموافقة الفورية على الاتفاق لتأمين الإفراج عنهم، بينما تحذر جهات يمينية من أن الصفقة قد تمنح "هدية سياسية وعسكرية" لحماس، وتسمح لها بإعادة تنظيم صفوفها.
وفي ظل هذا المشهد المتأرجح، تبدو إسرائيل وكأنها تخوض معركتين في آنٍ واحد، واحدة خارج حدودها في غزة، وأخرى داخل قاعة الحكومة، حيث الكلمات أكثر حدة من القنابل، والانقسام أكثر خطورة من صواريخ المقاومة.
*هشاشة التحالف اليميني*
من جانبه، يرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن ما جرى داخل اجتماع الحكومة الإسرائيلية ليس مجرد خلاف سياسي عابر، بل يعكس أزمة مركبة في بنية القرار الإسرائيلي حيال الحرب في غزة، ويؤكد أن انقسام مراكز الثقل داخل الحكومة بين تيار أمني وعسكري من جهة، وآخر عقائدي متشدد من جهة ثانية، يكشف هشاشة التحالف اليميني الذي يقوده نتنياهو، ويضعف قدرته على اتخاذ قرارات استراتيجية حاسمة.
ويضيف فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن نتنياهو، رغم تصعيده الخطابي وطرقه الطاولة، يسير على حبل دقيق، يحاول فيه التوفيق بين الضغوط الداخلية من وزراء مثل بن غفير وسموتريتش، وبين الضغوط الخارجية الأميركية، خاصة من إدارة ترامب، التي تدفع بقوة نحو تهدئة قصيرة الأمد تعيد ترتيب المشهد الإقليمي.
ويشير أن قبول إسرائيل إرسال وفد إلى الدوحة رغم رفضها تعديلات حماس العلنية، يعكس إدراكها لصعوبة الحسم العسكري الكامل، خاصة بعد فشل محاولات تصفية قيادة الحركة وارتفاع الكلفة السياسية والإنسانية للحرب.
ويرجّح فهمي، أن نتنياهو سيحاول استثمار زيارته إلى واشنطن لانتزاع غطاء سياسي لاتفاق هدنة مؤقت، يقدمه للرأي العام الإسرائيلي باعتباره "إنجازًا تكتيكيًا" لا "تنازلًا مبدئيًا".