القطاع الصحي في لبنان بين تزايُد الانهيار واعتصامات العاملين!

يعاني القطاع الصحي في لبنان حالة من الإنهيار

القطاع الصحي في لبنان بين تزايُد الانهيار واعتصامات العاملين!
صورة أرشيفية

نظمت منظمة "القمصان البيض" اعتصاماً قبل ظهر يوم الجمعة الماضي، أمام مبنى وزارة الصحة اللبنانية في قضاء بعبدا، للمطالبة بترشيد دعم الدواء وإنصاف القطاع الصحي، ووجهت نداءً عاجلا إلى منظمة الصحة العالمية للتدخل مباشرة لتسلم زمام الأمور.
اعتصام القمصان البيض

وفي الباحة الداخلية لوزارة الصحة اللبنانية، اعتصم أعضاء منظمة "القمصان البيض"، التي تضم تحالف أطباء وصيادلة وأطباء الأسنان وممرضين ومخبرين، يحملون لافتات كُتب على إحداها "من جريمة المرفأ إلى جريمة قطع الدواء" .


ودعا المعتصمون لـ"ترشيد دعم الدواء وإنصاف القطاع الصحي"، وأشاروا إلى أن "الدعم العشوائي لا يؤمِّن الدواء للمواطن، بل يؤمِّنه لمافيات التهريب"، متسائلين عن الرقابة على الأدوية المهربة.


نداء لبناني للصحة العالمية


كما وجه المعتصمون نداءً عاجلاً إلى منظمة الصحة العالمية، يطالبونها "بتدخل مباشر لتسلم زمام الأمور والضرب بيد من حديد"، وإرسال "لجنة لتقصي الحقائق إلى لبنان للتحقيق، ومنع الدمار المتزايد الذي لا يمكن وقفه من قِبل الدولة الفاشلة، إنما من خلال التعاون مع الجيش اللبناني والصليب الأحمر والمراكز الطبية الخاصة والمستشفيات الجامعية".

تضخُّم عشوائي سبب الأزمة

قال رئيس الهيئة الوطنية الصحية اللبنانية "الصحة حق وكرامة"، الدكتور إسماعيل سكرية،  في تصريح لـ "العرب مباشر": إن الوضع الصحي منذ 3 عقود أو أكثر ـ أي بعد الحرب اللبنانية الداخلية ـ توسع وتمدد بشكل عشوائي واستهلاكي، وشهد تضخما في عدد الأسرّة بشكل عشوائي، وتضخم بعدد الأطباء إلى 3 أضعاف النسبة العالمية، وتضخم في عدد الصيادلة والصيدليات والمختبرات، وكذلك الأجهزة التكنولوجية، مثل الإسكانر والرنين المغناطيسي، واللافت أن لبنان تستخدم إسكانر بمعدل 6 أو 7 أضعاف ما تستخدمه فرنسا، وكذلك الرنين المغناطيسي، والجراحات 3 أضعاف ما تستخدمه فرنسا، وهذا غير منطقي بالطبع، على حد وصفه. 

أعباء القطاع الطبي اللبناني

وأضاف سكرية، أن كل هذا الاستهلاك الطبي غير المبرر حمل القطاع الصحي فاتورة لا حاجة لها، إضافة إلى الفساد، لافتًا إلى أنه أعلن مرارًا أن 50% من الفساد في لبنان هو داخل القطاع الصحي. 


وتابع السياسي اللبناني، أن ذلك أرهق القطاع الصحي بكل مرافقه، وبدأت الجهات الضامنة تصرخ بأن لها ديونًا على الدولة لا تدفعها، والمستشفيات لها ديون على الدولة ولا تستطيع دفعها، وهو ما أثر على أعمال هذه المستشفيات وهذه المؤسسات. 


وتابع سكرية، أنه بكل هذا المناخ الصحي غير السليم وصلنا إلى أزمة كورونا، التي حملت القطاع الصحي وضعا ضاغطا ومفاجئا وله متطلباته وتكلفته، لافتًا إلى أن المعادلة مازالت استهلاكية بسبب تكلفة الأطباء والمستشفيات الأدوات، وكل هذا مرتبط بالدولار الذي كلما ارتفع ارتفعت فاتورة الأعباء، يقابلها هبوط في قدرة المواطن اللبناني على الدفع، وهي قاعدة مخيفة بدون شك، الأمر الذي ولد أزمة. 


وأوضح الدكتور إسماعيل سكريه، أن هذا الوضع تسبب في تأجيل عمليات طبية غير طارئة ونزوح الأطباء من لبنان بعدد 13 ألف طبيب، وكلهم أطباء على درجة عالية من الكفاءة، الأمر الذي سيؤدي إلى هبوط في مستوى أداء القطاع الطبي اللبناني بشكل نسبي، وللأسف  لم تعد مستشفى الشرق الأوسط كما عرف عنها. 

غياب الاستقرار السياسي

وشدد سكرية على أن الحلول تتمثل في الاستقرار السياسي، وتشكيل حكومة قادرة وتعمل بشكل جدي لإعادة بناء القطاع الطبي وترميم ما أصابه من تهشيم، منها مثلا تقوية دور القطاع العام على حساب القطاع الخاص، وزيادة عدد أسرته وتجهيزه، ورفع نسبة الأدوية "الجينيسيك/ الجنريك"، ولا بد من توافر مختبرات لقياس كفاءة هذا النوع من الأدوية لخطورتها، وتخفيض الفاتورة الدوائية، وتفعيل المكتب الوطني للدواء الذي كان مختصًا باستيراد أدوية الأمراض المستعصية مثل السرطان. 

كما نوه الدكتور إسماعيل سكرية على ضرورة تشديد الرقابة على القطاع الطبي بكل أركانه، وهو ما يتطلب سنوات من المعاناة والصعاب حتى يراه اللبنانيون واقعًا، على حد وصفه. 


الموسوي: تشديد الرقابة على الأسواق

ومن جانبه، قال رضا الموسوي، مستشار وزير الصحة اللبناني في  تصريحاته لـ"العرب مباشر": إن الخروج العاجل من أزمة القطاع الطبي الأخيرة في لبنان يتمثل في فتح اعتمادات عاجلة من مصرف لبنان للمستشفيات وشركات المستوردين، مع تكثيف الدوريات من قبل أمن الدولة والجهات المختصة بهذا الموضوع، حتى يتم التأكد من وجود هذا الدعم في الأسواق.


، أوضح مستشار وزير الصحة اللبناني، أن الأزمة الاقتصادية هي التي أثرت على القطاع الطبي، وتغيرات سعر الصرف ضاعفت من الأزمة.


مطالب غير منطقية


وتابع الموسوي، أن الأمم المتحدة متواجدة كل يوم في لبنان، وتعمل إلى جانب وزارة الصحة اللبنانية، فعلى سبيل المثال كانت إجراءات مواجهة جائحة كورونا بقرض من البنك الدولي، وكان ذلك عبر منظمة الصحة العالمية، معتبرًا أن مناشدات المعتصمين بتدخل منظمة الصحة العالمية غير مفهومة، لأن المنظمة متواجدة بصفة مستمرة مع الوزارة. 


واعتبر رضا الموسوي، أن إشادة منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي بأداء وزارة الصحة اللبنانية رغم الأزمات هو أبلغ رد على المعتصمين، لافتًا في هذا الصدد إلى زيارة وفد المنظمة والبنك إلى لبنان الخميس الماضي، وإشادتهم بشفافية الوزارة. 


وأوضح مستشار وزير الصحة اللبناني أن تأمين اللقاحات رغم الأزمات في لبنان كان أمرًا ملحوظًا، معتبرًا أن هذه المناشدات من قبل المعتصمين لم تكن واقعية في ظل التواجد المستمر للمنظمة والبنك الدولي في وزارة الصحة اللبنانية.

ويواجه لبنان أزمة غير مسبوقة في قطاع الرعاية الصحية، الذي يهدد حياة اللبنانيين جميعًا وعلى حد سواء، ما  يرجعه المراقبون إلى الفساد المستمر للطبقة الحاكمة المتعدية على حقوق المواطنين والمدعومة من منظومة فاسدة تحميهم جيدا للإفلات من العقاب.
اعتبر أطباء "القمصان البيض" أن الوضع الصحي في لبنان "مسألة ملحة، وتتطلب تدخلاً فوريًا من الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي لأسباب إنسانية لإنقاذ شعب لبنان".