من الحكم إلى العزلة.. النهضة التونسية تواجه ارتداد مشروعها السياسي
من الحكم إلى العزلة.. النهضة التونسية تواجه ارتداد مشروعها السياسي

بعد أكثر من عقد على وجودها في السلطة ومن ثم طردها بإرادة شعبية فيما وصفت فترة حكمها بكونها "عشرية سوداء"، تجد حركة النهضة التونسية نفسها اليوم في موقع سياسي بالغ الهشاشة، حيث تعاني من عزلة متزايدة سواء داخل المشهد الحزبي المعارض أو في الشارع العام.
الحركة التي كانت توصف بأنها اللاعب الأبرز في فترة ما بعد الثورة، وصلت إلى موقع المعزول سياسيًا، والمرفوض شعبيًا، بعد أن عجزت عن تكييف خطابها مع التحولات السياسية العميقة التي شهدتها تونس منذ 25 يوليو 2021.
سقوط رمزي في ذكرى عيد الجمهورية
وقد شهدت الساحة السياسية التونسية هذا الأسبوع تطورات تعكس حجم التراجع الذي تعاني منه النهضة الإخوانية، فقد أعلنت الشبكة التونسية للحقوق والحريات، وهي ائتلاف يساري معارض، تأجيل تحرك احتجاجي كانت تعتزم تنظيمه يوم 25 يوليو، رفضًا للتقاطع الزمني والتنظيمي مع تحرك موازي كانت جبهة الخلاص "ذات التوجه الإخواني" تعتزم تنظيمه في نفس اليوم والتوقيت.
القرار عكس بشكل مباشر الحساسية السياسية المتصاعدة لدى مكونات المعارضة التقدمية تجاه أي تقاطع مع الحركة الإسلامية، وعبر عن رغبة واضحة في عدم تحميل المسار الاحتجاجي أي رمزية توحي بالتقاطع مع مشروع النهضة الذي فقد الكثير من شرعيته.
مأزق المعارضة المشترك
ولم تعد الأزمة التي تواجه النهضة متعلقة فقط بخسارتها للحكم، بل أصبحت تتعلق بفقدانها القدرة على التموضع كقوة معارضة ذات مصداقية، فالحركة التي كانت تعتبر نفسها حاملة لمشروع "إصلاحي ديمقراطي"، لم تنجح في كسب ثقة الشارع خلال الأزمة السياسية الراهنة، كما أخفقت في استقطاب قوى مدنية معارضة للرئيس قيس سعيّد.
وبعض الأحزاب التقدمية، التي كان يمكن أن تتحالف مع النهضة تحت عنوان "الدفاع عن الديمقراطية"، باتت ترى في هذا الخيار انتحارًا سياسيًا، نظرًا لما تمثله النهضة من إرث سلبي لدى الرأي العام، مرتبط بالإخفاق الاقتصادي، والتجاذب المؤسساتي، والارتباط بملفات شائكة كالإرهاب والفساد السياسي.
فشل مزدوج.. في الحكم والمعارضة
ولا شك أن تجربة النهضة في الحكم بين 2011 و2021 كانت محورية في تحديد موقف الشارع منها اليوم. فالانقسامات، والصراعات، والتنازلات المتكررة التي قدمتها الحركة، إضافة إلى تحالفاتها المتناقضة، أضعفت من حضورها وصدقيتها السياسية.
ولكن ما عمّق من مأزقها هو فشلها في إعادة بناء خطاب جديد بعد سقوطها من الحكم. فحتى في لحظة المعارضة، لم تنجح الحركة في رسم مسافة كافية عن تجربة الحكم، ولا في إنتاج خطاب يتفاعل مع التحولات الاجتماعية والسياسية الجارية.
وتحركاتها باتت تقرأ من قبل فئات واسعة من التونسيين كنوع من "محاولة للعودة"، لا كدفاع عن الحقوق أو الحريات، ما جعلها تفشل في استقطاب الدعم الشعبي أو السياسي، حتى بين خصوم الرئيس.
متغيرات جديدة في المشهد
في مقابل تراجع النهضة، برزت قوى سياسية جديدة تعلن بوضوح انخراطها في مسار 25 يوليو وتدعم توجهات الرئيس قيس سعيد، حزب "أوفياء للوطن"، الذي تترأسه زكية الكسراوي، مثال على هذه القوى التي تطرح نفسها بديلاً عن المنظومة القديمة، وتتبنى خطابًا يدعو إلى "تحرير مؤسسات الدولة من إرث الإخوان".
خطابات هذه القوى الوليدة تسعى للتموضع داخل فضاء سياسي يعارض الفوضى السابقة، ويدعم الاستقرار، لكنها أيضًا تحرص على عدم الوقوع في الولاء المطلق للسلطة، ما قد يشكل بداية لإعادة تشكيل خريطة حزبية قائمة على قواعد جديدة.
ويقول الباحث السياسي التونسي حازم القصوري: إن الحركة الإخوانية ما تزال تعيش حالة إنكار سياسي، النهضة الأن لم تدرك بعد أن الزمن تغير، وأن رموزها ومشروعها باتا غير قابلين للتسويق في مجتمع عانى من تفكك الدولة خلال سنوات حكمها، وهي كانت عشرية سوداء عاشها الشعب التونسي تحت مسمي الربيع العربي.
وأضاف، القصوري في تصريحات خاصة للعرب مباشر: أن حتى على مستوى الخطاب، لم نرَ أي تجديد، وهي تكرر مصطلحات حول الديمقراطية والدستور، لكن دون أن تقدم للناس مبررًا مقنعًا للعودة، لا على مستوى الأفكار، ولا على مستوى الأشخاص، وما تواجهه النهضة ليس مجرد خسارة للسلطة، بل انهيار تام في مشروع التمكين الإخواني في تونس.