صفقة واشنطن - بكين الغامضة تقلق تايوان.. هل يتخلى ترامب عن حلفائه؟
صفقة واشنطن - بكين الغامضة تقلق تايوان.. هل يتخلى ترامب عن حلفائه؟

في زاوية مشتعلة من خارطة الصراع الجيوسياسي، تتزاحم المؤشرات على تصعيد غير مسبوق بين الصين وتايوان، فيما تراقب واشنطن بحذر بالغ، ويخشى كثيرون أن تتحول جزيرة تايوان إلى ورقة مساومة في صفقة كبرى بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ، فمنذ انتخاب رئيس تايواني جديد مؤيد للاستقلال، تزايدت التهديدات الصينية، وارتفعت وتيرة التحذيرات في أروقة واشنطن، لكن ما يقلق خبراء السياسة والدفاع في الولايات المتحدة أكثر من مناورات الصين العسكرية أو تغوّلها في "المنطقة الرمادية"، هو الغموض الذي يكتنف موقف ترامب، واحتمالية استغلاله للملف التايواني في إطار تفاهم أوسع مع بكين، في ظل هذا المشهد المضطرب، تتقاطع المصالح الأمنية بين الفلبين وتايوان، في تحالفات غير معلنة، بينما يطالب مسؤولون سابقون في البنتاغون بإستراتيجية تجمع بين الحزم والدبلوماسية، فهل نحن على أعتاب تسوية تاريخية أم صدام وشيك في مضيق تايوان
*مخاوف من صفقات ترامب*
في الوقت الذي يترقب فيه العالم مآلات الصراع في مضيق تايوان، تتصاعد المخاوف في واشنطن من أن يُعيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب صياغة أولويات بلاده الخارجية، واضعًا تايوان على طاولة مفاوضاته التجارية مع الصين.
فبعد أشهر من الصمت النسبي، تجدد النقاش داخل المؤسسات السياسية والأمنية الأميركية بشأن ما بات يُعرف بـ"إستراتيجية الطمأنة والردع"، وهي مقاربة تجمع بين توجيه رسائل حاسمة إلى بكين من جهة، وطمأنة تايبيه من جهة أخرى، بهدف منع نشوب حرب شاملة أو انهيار الوضع القائم.
تقرير لصحيفة واشنطن بوست كشف عن خشية دوائر مؤثرة في العاصمة الأميركية من أن يستخدم ترامب الملف التايواني كورقة تفاوض، خاصة أن خطابه بشأن الصين لم يوضح موقفه بدقة من قضية "الاستقلال التايواني".
فقد أبدى بعض مستشاريه السابقين قلقهم من تكرار تجربة المقايضات السياسية التي انتهجها في فترته الأولى، حين استغل قضايا شائكة من أجل تحقيق مكاسب تجارية.
*السيطرة والحصار*
في هذا السياق، يعيد خبراء بارزون في الأمن القومي التأكيد على أن تايوان ليست مجرد ملف جيوسياسي تقليدي، بل ركيزة أساسية في الأمن الآسيوي، ويرى غراهام أليسون، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، أن الخطر الداهم لا يكمن في غزو صيني مباشر، بل في إستراتيجية "السيطرة والحصار"، حيث يمكن لبكين أن تخنق الجزيرة اقتصاديًا بمنع إمدادات الغذاء والطاقة، وفرض حصار على صادراتها من الرقائق الإلكترونية التي تُعد جوهر الصناعات العالمية.
من جهة أخرى، كشف الاجتماع المغلق الذي عقده مسؤولون سابقون في الدفاع والخارجية الأميركية، عن توافق نادر بين تيارات متباينة بشأن ضرورة الجمع بين الردع الصارم والدبلوماسية المرنة.
الاجتماع، الذي شارك فيه أربعة مستشارين أمنيين سابقين إلى جانب وزراء دفاع وخارجية سابقين، شدّد على أهمية رفع الجهوزية العسكرية الأميركية في المحيط الهادئ، في رسالة مزدوجة إلى بكين وتايبيه مفادها أن واشنطن لا تدعم الاستقلال التايواني لكنها في الوقت ذاته لن تسمح بإخضاع الجزيرة بالقوة.
*الفلبين.. لاعب جديد*
التحولات الإقليمية لم تتوقف عند تايوان، فالفلبين التي طالما تبنت نهجًا حذرًا تجاه النزاع الصيني–التايواني، تبدو الآن في طور تغيير إستراتيجي جذري.
فبحسب مصادر مطلعة، شارك أكاديميون مقربون من وزارة الدفاع الفلبينية في جلسات حوار مغلقة مع جنرالات تايوانيين لبحث التعاون الأمني.
كما نظمت القوات الفلبينية تدريبات مشتركة في مضيق باشي، بمشاركة مراقبين من الجيش التايواني، في تطور يُعد سابقة لم تشهدها العلاقات بين الطرفين منذ عقود.
التحول الفلبيني يعكس إدراكًا متناميًا في مانيلا أن الصراع في تايوان لا يمكن فصله عن أمنها القومي، خاصة بعد سلسلة من المواجهات البحرية مع الصين في بحر الصين الجنوبي.
وزير الدفاع الفلبيني، جيلبرت تيودورو، حذّر مؤخرًا من "أن أي استعراض للقوة من قبل بكين في منطقتنا يُثير قلقًا بالغًا"، ما يشي بإمكانية تدخل الفلبين في حال اندلاع مواجهة فعلية بين الصين وتايوان.
*معادلة معقدة*
من جهتها، تستمر بكين في رفع سقف تهديداتها، إذ أعلن وانغ هونينغ، أحد أبرز منظري الحزب الشيوعي الصيني، أن "إعادة التوحيد لا يمكن إيقافها"، في لهجة تؤكد أن أي مظهر من مظاهر الاستقلال التايواني سيُقابل برد فعل عنيف.
ويُعد هذا التصريح امتدادًا لتوجه صيني متشدد بدأ منذ انتخاب لاي تشينغ تي رئيسًا لتايوان في يناير الماضي، وهو شخصية معروفة بدعمه العلني للهوية التايوانية المستقلة.
وسط هذه المعادلة المعقدة، يتزايد القلق من أن المنطقة الرمادية التي تستغلها الصين في تنفيذ سياسات غير قتالية لكنها عدوانية قد تتحول إلى ميدان المواجهة الرئيسية، حيث تتداخل الحرب السيبرانية مع التضليل الإعلامي والتدخلات الاقتصادية.
ويرى بعض الخبراء، أن السبيل الوحيد لاحتواء هذا التصعيد يتمثل في أن تتبنى واشنطن سياسة مزدوجة، لا تفريط في التزاماتها تجاه تايوان، ولا استفزاز مجاني لبكين.
*الاختبار الأخطر*
من جانبه، يعتبر د. محمد المنجي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن التصعيد المتزايد في مضيق تايوان يُمثّل أخطر اختبار لقدرة النظام الدولي على احتواء النزاعات دون الانزلاق إلى مواجهات مباشرة بين القوى العظمى.
ويُحذّر المنجي في تصريحاته لـ"العرب مباشر"، من أن أي محاولة لإدراج قضية تايوان ضمن صفقة تجارية بين واشنطن وبكين ستكون بمثابة "لعب بالنار"، خاصة أن الصين تعتبر الجزيرة جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، فيما ترى فيها الولايات المتحدة حليفًا ديمقراطيًا محوريًا في معادلة التوازن الإقليمي.
ويشير المنجي، أن الغموض في خطاب الرئيس ترامب تجاه القضية لا يُساعد على تهدئة الموقف، بل يفتح المجال لتأويلات خطيرة من جانب بكين، قد تدفعها إلى خطوات استباقية.
ويشدد على أن الحل الأمثل يكمن في تعزيز آليات الردع غير التصعيدي، وتوسيع الحوارات الإستراتيجية مع حلفاء واشنطن الإقليميين، لا سيما الفلبين واليابان، لتشكيل جبهة ردع صلبة قادرة على موازنة الطموحات الصينية دون جرّ المنطقة إلى حرب مفتوحة.