بيروت بين المطرقة الأميركية وسلاح حزب الله.. دولة تنتظر القرار

بيروت بين المطرقة الأميركية وسلاح حزب الله.. دولة تنتظر القرار

بيروت بين المطرقة الأميركية وسلاح حزب الله.. دولة تنتظر القرار
حزب الله

يبدو أن لبنان يقف على عتبة اختبار مصيري يعيد طرح الإشكالية الأكثر تعقيدًا في تاريخه الحديث، من يملك السلاح ومن يملك القرار، ففي لحظة دقيقة تتقاطع فيها الضغوط الدولية مع حسابات الداخل المنهك، أعلن حزب الله رفضه القاطع لتسليم سلاحه، حتى في حال انسحاب إسرائيل، مؤكدًا استعداده للتصادم مع الدولة اللبنانية إن لزم الأمر.

 وبينما تتصاعد نبرة الحسم في خطابات الرئاسة اللبنانية، معلنة أن قرار حصر السلاح بيد الدولة لا رجعة فيه، يواصل المبعوث الأميركي توم براك جولاته بين بكركي وعين التينة والسراي محاولًا الدفع بتسوية متدرجة، لكنه لا يخفي تعقيد المشهد، وفي ظل غياب جدول زمني واضح من بيروت، وتصاعد استياء بعض دوائر الحكم من ما تعتبره "فرصة تضيعها المقاومة"، يبرز السؤال، هل يتحوّل مشروع استعادة السيادة إلى ورقة تفاوضية أخرى، أم أن لبنان بصيغته الحالية بات عاجزًا عن حسم معادلة القوة بين منطق الدولة ومنطق السلاح؟

*حزب الله يتمسك بسلاحه*

في تطور جديد يعكس استمرار التباين الحاد داخل لبنان بشأن مستقبل سلاح "حزب الله"، أفادت مصادر مطلعة، بأن الجناح العسكري للحزب أبلغ رئيس مجلس النواب نبيه بري بأنه لن يتخلى عن سلاحه، حتى في حال انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب اللبناني، معتبرًا أن هذا القرار "غير قابل للنقاش"، وجاهز لمواجهة أي محاولة لفرض الأمر بالقوة، حتى ولو أتت من الدولة اللبنانية نفسها.

هذا الموقف المتشدد جاء في توقيت حساس يشهد فيه لبنان تحركًا دبلوماسيًا أميركيًا مكثفًا، تمثّل في الزيارة الثالثة للمبعوث الخاص إلى سوريا ولبنان، توماس براك، في أقل من شهرين، والتي تهدف إلى تفعيل مبادرة تقضي بحصر السلاح بيد الدولة، كخطوة مفصلية نحو تثبيت الاستقرار الأمني في الجنوب وإعادة لبنان إلى الحضن العربي والدولي.

*الأمور معقدة*


غير أن براك، الذي التقى خلال زيارته شخصيات لبنانية بارزة بينها الرئيس جوزيف عون والبطريرك الراعي ورئيس البرلمان نبيه بري، خرج بتصريحات تعكس إدراكه لصعوبة الموقف، قائلاً: إن "الجميع يحاول إيجاد تسوية في لبنان، لكن الأمور معقدة"، مع تشديده على أن "مسألة سلاح حزب الله داخلية، ويجب على الدولة اللبنانية أن تقرر مصيرها بنفسها"، نافيًا وجود أي ضمانات أميركية لدفع إسرائيل إلى خطوات مقابلة.

الرئاسة اللبنانية، من جهتها، لم تُخفِ تصميمها على المضي قدمًا في تنفيذ مبدأ "حصرية السلاح"، حيث أكد الرئيس جوزيف عون، أن "تطبيق هذا القرار نهائي ولا رجعة عنه"، مشددًا على أن العملية تتم بروية وحرص على عدم الإضرار بالسلم الأهلي. 

هذا الإعلان جاء متزامنًا مع تسليم الرئاسة اللبنانية مشروع مذكرة شاملة إلى المبعوث الأميركي، تضمنت رؤية بيروت لتطبيق التزاماتها منذ توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية في نوفمبر الماضي، وحتى البيان الوزاري للحكومة الحالية.


*حصر السلاح*


على الرغم من هذه المبادرات، لم تتضمن الورقة اللبنانية – بحسب مصادر رسمية – أي جدول زمني واضح أو خطوات عملية لتجريد حزب الله من سلاحه، الأمر الذي أثار امتعاضًا أميركيًا دفع واشنطن لتجديد مطالبتها بوضع إطار زمني "قبل نهاية العام".

ويرى مراقبون، أن هذا التردد نابع من إدراك السلطات اللبنانية لصعوبة فرض أي قرار على حزب الله دون تفاهمات واضحة ومدروسة، خصوصًا في ظل تمسك الحزب بسلاحه كجزء من منظومة "الردع الاستراتيجي" ضد إسرائيل، وكمصدر لقوته السياسية في الداخل.

من ناحية أخرى، تشير التسريبات إلى وجود انقسام داخل الدولة نفسها، ففي حين تُبدي الرئاسة والحكومة استعدادًا للسير نحو "حصر السلاح"، يرى مسؤولون آخرون أن التشدد في هذا الملف قد يؤدي إلى تفجير الوضع الأمني والسياسي في البلاد، لا سيما أن الحزب يعتبر المساس بسلاحه خطًا أحمر. 

وأكدت مصادر لـ"العرب مباشر"، أن هناك "غضبًا داخل أوساط الدولة اللبنانية من إصرار الحزب على إضاعة فرصة تاريخية لإعادة ترتيب البيت الداخلي".

وفي هذا السياق، يبدو أن الرئيس بري يجد نفسه في موقع وسطي صعب، إذ نقل للمبعوث الأميركي أنه لا يستطيع تقديم أي ضمانة بشأن تسليم حزب الله سلاحه شمال الليطاني، ما يعكس حجم الحرج السياسي الذي تعانيه القيادات اللبنانية أمام المجتمع الدولي من جهة، وأمام قواعدها الداخلية من جهة أخرى.

*غير واقعي*
يرى الدكتور مصطفى علوش، المحلل السياسي اللبناني، أن أزمة سلاح حزب الله ليست ملفًا تقنيًا يمكن حسمه بقرار حكومي أو ضغوط دولية، بل هي "تركيبة سياسية وأمنية واجتماعية معقدة تشكّلت على مدى عقود من التداخل بين الحزب والدولة".

ويؤكد في حديث لـ"العرب مباشر"، أن "الخطاب الرسمي اللبناني عن حصرية السلاح لا يكتمل إلا بتوفير بيئة إقليمية مؤاتية، وبتحقيق انسحاب إسرائيلي فعلي من الأراضي اللبنانية المحتلة، وهو ما يزال بعيدًا عن التحقق"

ويضيف: "الموقف الأميركي الذي يطالب بتجريد حزب الله من سلاحه قبل نهاية العام يبدو غير واقعي، في ظل غياب أي أدوات ضغط حقيقية على الحزب، وفي ظل تعقيد الخريطة اللبنانية الطائفية والسياسية".

ويرى علوش، أن "التصعيد أو فرض الجدول الزمني بالقوة سيؤدي إلى انقسام داخلي حاد، وربما إلى عودة الحرب الأهلية بشكل أو بآخر".

ويختم بالقول: "الحل يجب أن يكون ضمن صفقة سياسية وطنية مدعومة إقليميًا، تضمن إعادة دمج الحزب ضمن مؤسسات الدولة تدريجيًا، مقابل انسحاب إسرائيلي واضح وضمانات أمنية حقيقية، وإلا فالجدال سيبقى مستمرًا".