السويداء تلتقط أنفاسها.. تفاهم ثلاثي لإخماد نار الجنوب
السويداء تلتقط أنفاسها.. تفاهم ثلاثي لإخماد نار الجنوب

في لحظة فارقة على خريطة الجنوب السوري، خرجت العاصمة الأردنية عمان بمشهد دبلوماسي جديد، عقب لقاء ثلاثي جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ونظيره الأردني أيمن الصفدي، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك، لبحث سبل احتواء الأزمة في محافظة السويداء، التي شهدت خلال أسبوع واحد واحدة من أكثر موجات العنف دموية منذ سنوات.
اللقاء، الذي عقد وسط تصاعد الاشتباكات بين مقاتلين دروز وفصائل مسلحة عشائرية، أسفر عن اتفاق على تنفيذ خمس خطوات رئيسية تهدف إلى وقف إطلاق النار وتثبيت الاستقرار في المحافظة، وتوفير الحماية للمدنيين، وإعادة سلطة الدولة إلى المشهد الميداني الذي كاد أن ينفلت كليًا.
خارطة طريق بلا أصوات رصاص
أولى ملامح الاتفاق تبدأ بتثبيت وقف إطلاق النار بشكل شامل ودائم في السويداء، مع انتشار تدريجي لقوات الأمن السورية في أحياء المدينة والبلدات المحيطة بها.
ويتضمن التفاهم إطلاق سراح جميع المحتجزين ضمن جهود المصالحة المجتمعية، بما يعزز ثقة الأهالي ويعيد شيئًا من الاستقرار الاجتماعي الهش.
في موازاة ذلك، يتم التركيز على تعزيز السلم الأهلي ووقف حملات التحريض الطائفي وخطاب الكراهية، الذي تصاعد بشكل خطير في الأيام الأخيرة.
كما تم الاتفاق على السماح الفوري بإدخال المساعدات الإنسانية للمتضررين من القتال، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية ونزوح مئات الأسر عن مناطق الاشتباك.
باراك يحذر من هشاشة المشهد.. ويدعو للحوار
المبعوث الأمريكي توماس باراك أكد دعم بلاده للاتفاق، لكنه أشار إلى أن نجاحه ما يزال هشًا في ظل تعدد القوى المسلحة خارج سلطة الدولة.
وقال: إن سوريا تمر بمرحلة مفصلية تتطلب قرارات شجاعة، وإن الحل يكمن في الحوار الشامل، لا في السلاح والانتقام.
وشدد باراك على أن واشنطن لا تدعم أي سيناريو لتقسيم سوريا أو إنشاء كيانات طائفية، بل تسعى إلى مرحلة انتقالية تقوم على دستور جديد يضمن المواطنة والمساواة بعيدًا عن الطائفية والانقسام.
الأردن يثبت موقعه كوسيط ضامن
من جهته، أعاد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي التأكيد على أن أمن سوريا جزء لا يتجزأ من أمن الأردن والمنطقة.
وجدد دعم بلاده لاستقرار الدولة السورية ووحدة أراضيها، ورفض أي تدخل خارجي في شؤونها.
الصفدي ثمّن التفاهم الذي جرى مع دمشق وواشنطن، واعتبره خطوة باتجاه تهدئة طويلة الأمد، مشددًا على أهمية التزام جميع الأطراف بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
المشهد الميداني يتغير.. ومقاتلو الدروز يستعيدون السيطرة
على الأرض، شهدت مدينة السويداء تحولًا ميدانيًا مفاجئًا، إذ تمكن مقاتلون دروز من استعادة السيطرة على المدينة بالكامل، بعد انسحاب مقاتلي العشائر منها، وفق ما أفاد به المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وقد أعلنت وزارة الداخلية السورية لاحقًا، أن الاشتباكات توقفت تمامًا، وتم إخلاء المنطقة من الفصائل المسلحة، مع بدء انتشار قوات الأمن لضبط الوضع وفرض الهدوء.
ويقول الباحث السياسي واستاذ العلوم السياسية طارق فهمي: إن التفاهم الثلاثي بين دمشق وعمان وواشنطن يمثل محاولة ذكية لتفكيك عقدة الجنوب السوري قبل أن تنفجر بشكل يصعب احتواؤه.
وأضاف: أن اجتماع عمان ليس مجرد تنسيق أمني، بل خطوة محسوبة لإعادة ترتيب الأوراق السياسية في السويداء، خاصة بعد أن خرجت الاشتباكات الأخيرة عن السيطرة وهددت بتمدد الفوضى نحو مناطق أخرى.
ويضيف فهمى -في تصريحات خاصة للعرب مباشر-، أن قبول الحكومة السورية بنشر قوات الأمن في السويداء بالتنسيق مع الأردن والولايات المتحدة يعد تحولًا لافتًا في تعاطي دمشق مع الضغوط الإقليمية، مشيرًا أن الرسالة الأهم من الاتفاق هي أن "زمن إدارة الصراع بالإنكار والإنهاك قد ولى، وأن الجنوب يحتاج إلى شراكة إقليمية فعلية لإعادة الاستقرار.