العقل المدبّر.. من يرسم خطوط النار بين واشنطن وطهران؟.. خبراء يجيبون
العقل المدبّر.. من يرسم خطوط النار بين واشنطن وطهران؟.. خبراء يجيبون

بينما تقف المنطقة فوق حافة هاوية جديدة، يُحاط القرار الأميركي المرتقب بشأن التدخل في الحرب الإيرانية الإسرائيلية بكثير من الغموض والحسابات الدقيقة، فقد أعطى الرئيس دونالد ترامب نفسه مهلة أسبوعين لتقرير مصير انخراط الولايات المتحدة في هذا النزاع، وهي مهلة بدت أقرب إلى محاولة ضبط الإيقاع الداخلي أكثر من كونها التزامًا نهائيًا، وبينما يحتدم النقاش داخل أروقة البيت الأبيض، لا يبدو أن القرار سيُتخذ بناءً على اعتبارات أمنية بحتة أو عبر قنوات مؤسسية تقليدية، بل يعتمد ترامب، كما جرت العادة في قراراته المصيرية، على دائرة ضيقة من المستشارين والمقربين الذين يجمعهم الانتماء الشخصي والولاء السياسي، وليس بالضرورة الرؤية الاستراتيجية المشتركة، وسط هذه الأجواء، تنشط قنوات تواصل سرّية بين واشنطن وطهران، في محاولة متأخرة لكبح الانفجار الكبير.
بين التريّث والتصعيد
في اليوم الثامن من الحرب بين إيران وإسرائيل، يقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام معضلة تتجاوز الحسابات العسكرية التقليدية، ورغم إعلانه عن اجتماع مرتقب لمجلس الأمن القومي لبحث الخيارات المطروحة، تشير مصادر متعددة في الإدارة الأميركية، أن القرار النهائي بشأن التدخل العسكري الأميركي ما يزال قيد التداول، وأن مهلة الأسبوعين التي حدّدها الرئيس قد تكون مرنة، أو حتى رمزية.
هذه المهلة ليست سابقة في نهج ترامب السياسي. فقد استخدمها مرارًا في ملفات شائكة، من فرض الرسوم الجمركية على الصين، إلى الانسحاب من الاتفاقيات الدولية، قبل أن يتجاوزها أو يعيد ضبطها بحسب التطورات.
ما يميز الحالة الراهنة أن الملف النووي الإيراني يضع الإدارة الأميركية أمام واحد من أعقد قراراتها في السياسة الخارجية، وسط بيئة إقليمية قابلة للاشتعال، وضغط داخلي من النخبة الجمهورية المتشددة، وتحذيرات من المؤسسة الأمنية من تبعات التصعيد.
دائرة ضيقة تصنع القرار
وفقًا لما نقلته شبكة NBC، فإن ترامب لا يكتفي بالاستماع لتقارير المؤسسات الرسمية، بل يعوّل بشكل أساسي على حلقة محدودة من المستشارين السياسيين والشخصيات المقربة.
في مقدمتهم نائب الرئيس جيه دي فانس، ورئيسة موظفي البيت الأبيض سوزي وايلز، ووزير الخارجية المؤقت ماركو روبيو، الذي يؤدي في الوقت ذاته دور مستشار الأمن القومي، كذلك يحظى ستيفن ميلر، نائب رئيس الموظفين المعروف بمواقفه المتشددة، بحضور دائم في نقاشات الأمن القومي.
اللافت، أن هذه الشخصيات ليست من التكنوقراط أو من ذوي الخلفيات العسكرية، بل تمثل الاتجاه السياسي والإيديولوجي الأكثر صلابة داخل فريق ترامب، ما يعزز احتمال اتخاذ قرار يراعي البُعد الانتخابي أكثر من كونه يستند إلى تقييم استخباراتي أو عسكري بارد.
أصوات عسكرية واستخباراتية متباينة
رغم ذلك، لا يُغفل ترامب كليًا آراء المؤسسة العسكرية، فبحسب مصادر دفاعية، يستمع الرئيس بانتظام إلى كل من الجنرال دان كين، رئيس هيئة الأركان المشتركة، والجنرال إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية، إضافة إلى مدير وكالة المخابرات المركزية جون راتكليف.
ويُعتبر هؤلاء الثلاثة من الأصوات الأكثر تأثيرًا في القرار التنفيذي، خاصة فيما يتعلق بضرب منشآت نووية إيرانية تحت الأرض باستخدام قنابل خارقة للتحصينات.
لكن في المقابل، همّش ترامب مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، المعروفة بمواقفها الرافضة للتدخلات العسكرية؛ مما يعكس الانقسام داخل الإدارة الأميركية بشأن الموقف من إيران، كذلك يُلاحظ دور متصاعد لوزير الدفاع بيت هيغسيث، رغم محاولات نفي أنباء عن تقليص تأثيره.
دبلوماسية خفية
وسط هذا التوتر، كشفت مصادر دبلوماسية، أن ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، أجرى محادثات هاتفية عدة مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال الأيام الماضية.
تهدف هذه الاتصالات إلى استكشاف مسار دبلوماسي ممكن لتفادي المواجهة الشاملة، وهي إشارة أن البيت الأبيض لم يُغلق بعد نافذة الحوار، رغم ضجيج التحضيرات العسكرية.
لكن هذه المساعي تتم في الظل، بعيدًا عن الإعلام، وربما حتى دون علم كامل من أعضاء الإدارة.
فكما هو الحال في أزمات سابقة، يفضّل ترامب تكتيك "حافة الهاوية" قبل أن يقرر ما إذا كان سيقفز أم يتراجع، على أمل أن يربك خصومه ويدفعهم للتنازل.
القرار الأميركي بشأن إيران لا يُصاغ في البنتاغون وحده، ولا يُدار عبر القنوات الكلاسيكية لمجلس الأمن القومي. بل هو نتاج تركيبة معقدة من الولاءات الشخصية، والمصالح الانتخابية، والتجاذبات بين رجال الإدارة.
محفوفة بالمخاطر
يرى د. طارق فهمي، أن الرئيس ترامب يحاول كسب وقت ثمين عبر مهلة الأسبوعين، ليس فقط لدراسة الخيارات العسكرية المتاحة ضد إيران، بل أيضًا لرصد ردود أفعال الحلفاء الإقليميين والدوليين، وخاصة إسرائيل ودول الخليج.
ويؤكد فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن مهلة ترامب لا تعكس ترددًا بقدر ما تعبر عن سعيه لضبط التوقيت السياسي والدبلوماسي بعناية شديدة.
ويقول فهمي: إن اعتماد ترامب على دائرة ضيقة من المستشارين يعكس رغبته في منع تسريب قرارات كبرى، خاصة أن أي ضربة لإيران ستكون محفوفة بالمخاطر وتستوجب حسابات دقيقة تتجاوز فكرة الردع التكتيكي إلى موازين القوى الإقليمية.
كما يشير أن الاتصالات غير المباشرة بين مبعوثي واشنطن وطهران، والتي تجري خلف الستار، قد تلعب دورًا في بلورة حل وسط يمنح الطرفين مخرجًا يحفظ ماء الوجه، ويجني من خلاله ترامب نقاطًا سياسية في الداخل الأميركي دون الانزلاق إلى حرب شاملة في الشرق الأوسط.
فرصة استراتيجية
في السياق ذاته، يقول الدكتور خليل أبو كرش الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الاستراتيجية وخبير في الشأن الإسرائيلي: إن تل أبيب تمارس ضغوطًا مركبة على إدارة ترامب لدفعه نحو تدخل مباشر ضد إيران، مدفوعة بشعورها بأن هذه اللحظة قد تكون فرصة استراتيجية لتصفية البرنامج النووي الإيراني بضوء أخضر أميركي.
ويضيف أبوكرش في تصريحات لـ"العرب مباشر"، أن الخطاب الإسرائيلي يركز على تحذير واشنطن من مغبة التراخي، في ظل ما تسميه "نافذة الفرصة المحدودة" لمنع إيران من تحقيق اختراق نوعي في قدراتها النووية.
ويشير أبو كرش، أن مستشاري ترامب المعروفين بمواقفهم المتشددة تجاه إيران، مثل: ماركو روبيو وستيفن ميلر، يسيرون في اتجاه الانخراط العسكري، بينما ما يزال هناك تيار آخر، خاصة داخل البنتاغون وبعض الأجهزة الاستخبارية، يفضّل الإبقاء على الضغط الاقتصادي والدبلوماسي.
ويؤكد أبو كرش، أن مآلات هذا التردد ستعتمد في النهاية على تطورات الميدان، وعلى ما إذا كانت طهران سترد بعملية نوعية ضد المصالح الأميركية أو الإسرائيلية، ما قد يُسقط خيار التريث ويفرض ردًّا أميركيًا سريعًا.