«وكأنها الساعة».. «لبنانيون مشردون» يروون معاناتهم بعد «انفجار بيروت»

«وكأنها الساعة».. «لبنانيون مشردون» يروون معاناتهم بعد «انفجار بيروت»
صورة أرشيفية

وكأنها الساعة.. هذا ما شعر به معظم سكان بيروت مع الانفجار العنيف الذي زلزل الأرض تحت أقدامهم وتصاحبه رائحة الموت والدم والدمار، الزلزال الذي شعر به أهل بيروت لم يكن مجازًا؛ فالخبراء أكدوا بالفعل أن الانفجار تسبب في زلزال عنيف بقوة 4.3 درجة على مقياس ريختر، التقديرات الحكومية أكدت سقوط أكثر من 5 آلاف ضحية بين قتيل وجريح، بالإضافة إلى أن قرابة ثلث سكان بيروت فقدوا منازلهم وأصبحوا في عداد المشردين، في حين أقرت الحكومة حالة الطوارئ في بيروت لمدة أسبوعين وفرضت الإقامة الجبرية على مسؤولين محتملين عن الحادث المأساوي، وسط تأكيدات من منظمات الإغاثة الدولية أن الأعداد الحقيقية للمشردين تفوق بأضعاف الأرقام المعلنة، حيث لم يتم حصرهم حتى الآن بشكل كامل بسبب التخبط بعد الحادث الكبير، عائلات كاملة كانت آمنة مطمئنة تتمتع بمنازل في أرقى أحياء لبنان بالكامل وجدوا أنفسهم دون سابق إنذار من سكان الشوارع، فرغم تمتع أعداد كبيرة منهم بحالة مادية جيدة إلا أن توالي المصائب جعلهم أشبه بالفقراء الذين لا يجدون مأوى، فبعضهم وجد نفسه رغم امتلاكه لرصيد كبير في البنوك عاجزًا عن سحب أمواله بسبب الأزمة الاقتصادية اللبنانية، وجاء الانفجار ليزيد الطين بلة، وأصبح الضحايا لا يستطيعون الحصول على أموالهم وأيضًا فاقدين لمنازلهم ولا مكان لهم إلا الشارع.
 
الحكومة تتعاون مع المجتمع المدني في محاولة لتخفيف الأعباء عن كاهل اللبنانيين

السلطات القضائية اللبنانية أطلقت تحقيقًا في ملابسات الانفجار، وكلف النائب العام لدى محكمة التمييز سان عويدات الأجهزة الأمنية كافة القيام بالتحريات الضرورية، وإجراء التحقيقات الفورية لمعرفة كافة المعلومات والملابسات المتعلقة بالانفجار، مطالبًا الأجهزة بتزويده بكل التقارير المتوفرة لديها وأي مراسلات متعلقة بتخزين المواد المتفجرة، وتحديد أسماء المسؤولين عن حفظها وحمايتها والقائمين بأعمال الصيانة في المستودع الذي حصل فيه الانفجار.

ولتكثيف الجهود لتبيان الحقيقة، كلفت الحكومة الجيش اللبناني بإجراء مسح فوري وشامل للأماكن المتضررة، وفي محاولة منها للتخفيف من معاناة المواطن اللبناني أمرت الحكومة باستحداث أربعة مستشفيات ميدانية، كما أعلن المجلس الأعلى للدفاع فتح المدارس لإيواء مشردي الانفجار، وأوصى بالتواصل مع جميع الدول وسفاراتها لتأمين المساعدات والهبات اللازمة.

في السياق نفسه، دعت منظمة العفو الدولية إلى إنشاء آلية دولية على الفور للتحقيق في كيفية حدوث انفجار مرفأ بيروت، أيًّا كان سبب وقوعه، ودعت الأمينة العامة بالإنابة للمنظمة جولي فيرهار إلى زيادة المساعدات الإنسانية العاجلة للبنان الذي كان يعاني أصلًا من أزمة اقتصادية حادة، ومن تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19".
 
ثلث سكان بيروت «مشردون».. ولن يتجاوز لبنان الأزمة دون مساعدات دولية

من جانبه قال جمال عيتاني رئيس بلدية بيروت: إن التقديرات الأولية للخسائر جراء انفجار مرفأ بيروت تتجاوز الـ15 مليار دولار أميركي، وأكد أن الإحصائيات الأولية تشير إلى أن ثلث سكان بيروت أصبحوا من المشردين، وأن الرقم قابل للزيادة في الأيام المقبلة خاصةً مع وجود كثير من المنازل المهددة بالانهيار في أي لحظة.

رئيس بلدية بيروت أكد أن الانفجار أشبه بحدوث زلزال كبير أدى لأضرار غير مسبوقة، ولم تر بيروت مثلها من قبل سواء في الملكيات العامة أو الممتلكات الخاصة، مضيفًا أن الخسائر الهائلة من المستحيل تعويضها دون مساعدة عربية ودولية حيث تجاوزت الـ15 مليار دولار أميركي بشكل مبدئي.

وأوضح عيتاني أن الدولة تسعى جاهدة حاليًا لتأمين مساكن مؤقتة لعدد هائل من المشردين بسبب الانفجار، مؤكدًا أن الخبراء أشاروا إلى أن عدد المشردين يفوق ثلث سكان بيروت بعد أن دمر الانفجار أحياء بالكامل وحوَّل مئات البيوت إلى منازل آيلة للسقوط.

الحكومة اللبنانية استغاثت بدول العالم صراحة، وأعلنت من خلال وزير الاقتصاد اللبناني راؤول نعمة أنها عاجزة عن تحمل التداعيات الاقتصادية لكارثة مرفأ بيروت خاصةً أنه جاء بعد تداعيات شديدة القسوة لتفشي وباء كورونا وما صاحبه من إجراءات، وكذلك بعد أزمة اقتصادية طاحنة وغير مسبوقة مرت بها لبنان بالكامل، مطالبًا الدول بسرعة تقديم المساعدات اللازمة إلى بلاده لتخطي تداعيات الكارثة الحالية.

وأكد وزير الاقتصاد اللبناني أن الحكومة اللبنانية أعلنت عجزها قبل كارثة المرفأ، حيث طلبت مساعدة دولية من صندوق النقد الدولي ومن دول أخرى شقيقة، حيث لم تعد لديها قدرة مالية على مواجهة أزمة كورونا والأزمة المالية التي تراكمت على مدى 30 عاماً، لتأتي كارثة المرفأ لتفقد الحكومة اللبنانية اتزانها وتزيد أعباءها بشكل غير مسبوق.
 
خسائرنا في «الحرب ضد الفساد» تفوق ما يمكن أن يحدث إذا كنا نحارب دولة عظمى

يقول سمير حيدر، 51 عامًا، من سكان بيروت، كُتب لنا عمر جديد، فكنت وزوجتي وأبنائي خارج المنزل وقت التفجير وعندما حاولنا العودة إلى بيتنا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لم نجد منزلًا لندخله، تداخلت المشاعر وأصبحنا لا نعرف أنبكي وطننا وبيتنا أم نفرح لنجاتنا من نهاية شديدة البشاعة.

وتابع: عشنا حربًا أهلية ورأينا عمليات إرهابية وتفجيرات من قبل، ولكن ما حدث في بيروت أمر غير مسبوق ولم نره من قبل إلا عبر شاشات التلفزيون في التقارير التي تتحدث عن نهاية الحرب العالمية وكارثتي هيروشيما وناجازاكي، كنت بعيدًا جدًا عن مركز الانفجار ورغم ذلك كنت أشعر بالرعب كلما اقتربت من منزلي بسبب رصدي لمئات البيوت التي تهشمت نوافذها وانهارت جدرانها رغم بعدها الشديد عن مركز الانفجار.

وأضاف حيدر: نعاني منذ فترة ليست بالقليلة ولكن الأمر زاد عن الحد الإهمال أصبح يحصد أرواحنا بشكل جعل الجميع يدرك أن لبنان يخوض حربًا شرسة ضد الإهمال والفساد تفوق ما يمكن أن يحدث إذا كنا نحارب دولة عظمى بكامل عتادها وجيشها.

يقول حيدر: وقفت حائرًا لا أدري إلى أين أذهب مع أبنائي وزوجتي، واتصلت بأحد أقاربي لأخبره أن منزلي تدمر بالكامل وأحتاج إلى المكوث عنده بعض الوقت لأرى إلى أين ستسير الأمور، المفاجأة أني وجدت هناك من أقاربنا من سبقني باللجوء إلى نفس الشخص وأخبرني -قريبي-  أن آتي، معتذرًا لي عن اضطراره لتجهيز أماكن للنوم على الأرض بسبب عدم وجود غرف شاغرة.
 
أصدقائي ماتوا وأحسدهم على نهاية مشاكلهم.. أنام في سيارتي أنا وأسرتي بالكامل

في السياق ذاته، يقول وليد زين، 46 عامًا، الأزمات تتوالى منذ فترة طويلة ولكن ما حدث مؤخرًا يفوق قدرتنا على الاحتمال، فحتى الجدران الأربعة والسقف لم تتركها لنا الدولة لننعم بها وتسبب الإهمال والفساد في إلقائنا وأبنائنا في الشوارع دون مال ودون سكن ودون أمل في مستقبل.

وأضاف زين: فقدت زملائي في الانفجار حمدت الله كثيرًا على نجاتي ونجاة أطفالي من الموت وخروجنا من الكارثة ببعض الجروح السطحية البسيطة والمحتملة، ولكن بعد عدة ساعات بدأت أحسد زملائي الذين فقدوا حياتهم فالموت هنا نهاية لمشاكلهم ولحياة لا يستطيع أحد الصمود والاستمرار فيها، فهم ارتاحوا من العناء والعذاب الذي نعانيه الآن مع بقائنا في الشوارع دون مأوى.

وتابع زين: جمعنا ما تبقى لنا من ثياب فهي التي بقيت فقط وسط الركام، وبدأنا نسمع عن مبادرات فردية وشعبية لإيواء المشردين، الأزمة الحقيقية أن أعدادنا نحن المشردين تفوق قدرة الجميع على الاحتمال فمن يقدر على تحمل ثلث سكان بيروت وكيف يمكن توفير مكان لهم، وحتى الآن أعيش مع أبنائي داخل سيارتي أملًا في حل عاجل، الحياة بمثل هذا الشكل لا يمكن أن تستمر، ويجب أن تكون هناك حلول قاطعة فماذا بقي ليحدث لنا أكثر من ذلك؟.