اقرأوا التاريخ لتدركوا قيمة الحرية

اقرأوا التاريخ لتدركوا قيمة الحرية

كانت ليبيا أرضاً يستبيحها الغرباء ، والغاصبين الذين تكالبوا عليها وجأووا على ظهور بوارجهم  ودباباتهم ، وطائراتهم وعلى ظهور خيلهم يحملون جشعهم وسياطهم ليستبيحوا حرمة أرض ليست أرضهم ويسطوا على ثروة ليست ثروتهم .

 قبل واحد وخمسين عاماً كان المواطن يهيم على وجهه وهو فوق أرضه يجلده الزمان كما يجلده الطليان والأمريكان وزبانية العهد المباد الذين عاثوا  في الأرض فساداً ...

قبل واحد وخمسين عاماً كان الجلد المبرح وجبة يومية يتلقاها كل الليبيين والليبيات ممن اختاروا ان ينأوا بأنفسهم عن الفساد والمفسدين  واختاروا العيش في " العشش" وأكواخ الصفيح ورفضوا ان يجاملوا الطليان او السلطان وحلموا بليبيا حرة . 

 ومثلما يعجز الإنسان عن رسم صورة أرض يلفها الظلام ، وتضيق بأبنائها ، وتُجبر على التهامهم في أي لحظة ، يصعب كذلك رسم صورة الإنسان التائه الذي حاصرته الخيانة ، وانفرد به الجلادون وجردوه من كل حقوقه في ظل نظام ملكي فاسد وقوى استعمارية طامعة متكالبة كرست وقتها للقتل والنهب والاستنزاف ، وعد حركات وسكنات المواطن الأعزل المقهور الذي يتظور  جوعاً وقهراً ويرى الظلم يمشي في الشارع على قدميه ..

 ليس بالإمكان رسم صورة لإنسان يسكن أكواخ الصفيح ويشرب المياه الملوثة ويلاحقه الأعداء والعملاء على حد سواء لانه لم يطاطيء الرأس وظل رغم القهر يرفض الاحتلال ويمقت المحتلين ويعبر عن تمرده  بأن  يستل عصاه وما تأتي من أسلحة بدائية لمواجهة الظلم الصارخ ..

  حتماً ليس بإمكاننا رسم الصورة بكل أبعادها المأساوية لأرض وشعب قبل خمسة وثلاثين عاماً .. 

إن الذين ولدوا بعد الثورة لا يحسون بحجم تلك المعاناة فكان لزاماً ان ندعوهم الى قراءة قصة الثورة تماماً مثلما الذين ولدوا قبلها عاجزون عن رسم صورة كاملة لمأساة أرض وشعب بكل أبعادها لأنها تفوق الخيال .. ومن الصعوبة بمكان ان يرسم إنسان صورة لأرض تحرقها القنابل وسلاسل المجنزرات وصدور عارية تدوس عليها سنابك الخيل .. من الصعوبة أن يرسم إنسان صورة أرض حوِّلت إلى معتقل كبير ، وحوِّلت الى غابة موحشة تتنمل بالموت المدفون في باطنها وتُجبر على أكل أبنائها كل وقت وحين ، حين حولوها الى حقل الغام لازلنا نعاني ويلاته حتى اليوم ..

لكن رب ضارة نافعة .. ومن رحم المعاناة .. من الآلام .. والأهوال .. ومن حقول الألغام... والأشواك ... ومن وسط  الزنازين .. وزرائب الاعتقال .. من وسط هذه جميعها وغيرها تأتي الحلول وتنبثق الحياة ويصير لزاماً على الشمس أن تشرق بعد طول ظلام .. وهذا ماكان تماماً في الفاتح من " سبتمبر" عام 1969 ف . حين قاد الثائر معمر القذافي الثورة وتمرد على كل لغات القهر ومشى مرفوع الهامة فوق  حقول الألغام .. ووسط الأشواك .. وفخاخ العهد البائد .. متحدياً القواعد العديدة ، والترسانة العسكرية الضخمة التي تئن  بها الأرض ..

 في الفاتح من شهر الفاتح  1969 نهض العالم  على صوت معمرا لقذافي وهو يقود الثورة ويدك الظلم والظالمين ويجتث العهد الفاسد ويأمر القواعد الأجنبية بالرحيل .. كان الحدث عظيماً .. بعث الحياة من جديد في الحزانى والمقهورين والمقموعين والمحاصرين بالاسلاك الشائكة في زرائب الاعتقال .. كان الحدث عظيماً تشكلت بُعيد لحظات من انبلاج فجره صورة الالتحام العظيم بين الثورة والجماهير الشعبية التي عانقت الفجر وجأت لترسم جدارية الالتحام الأبدي مع الثورة التي أخرجت الحي من الميت ، ونفخت في روح الأمة من جديد ، وانتشلت ليبيا من مقبرة التاريخ الى صلب التاريخ لاتشهد على الأحداث لكنها تصنعها ..

نعم قبل واحد وخمسين عاماً كانت الثورة التي نحتضن اليوم عيدها .. وكانت الحرية .. وكان الإجلاء .. وكانت الاشتراكية والعدالة الاجتماعية .. وكانت ليبيا تخرج من تحت الأنقاض .. من تحت أقدام الطغاة والفاشيين وتفلت من قبضة الرجعية وتتنفس برئة الثورة وتفتح عيونها وأدانها وقلبها على صوت القائد معمر القذافي .. الحلم .. والأمل .. والماء الذي جعل الله منه كل شيء حي .

  لقد تعاظمت الثورة على مدى واحد خمسين عاما وكانت ثورة المعجزات ، وثورة الفاتح في الواقع إعجاز ثوري رائع يبدأ بأنها تحمل رسالة ولا ينتهي عند ذلك الكم الهائل من الإنجازات المادية والمعنوية التي حققتها على مدى خمس عقود .. 

فحين قامت الثورة كان الجهل هو العلامة المميزة ولم تتجاوز نسبة التعليم العشرة في المائة .. وليس هناك أن ليبياًًً واحداً لم ينل حقه من الرعاية والتعليم ..

 وحين قامت الثورة لم يكن عدد المدارس في ليبيا يتجاوز عشرات المدارس .. أما الآن فإن عشرات الآلاف من المدارس ومئات الجامعات والمعاهد العليا والمراكز العلمية التخصصية تقف شامخة بطول الجماهيرية وعرضها تروي قصة ثورة تحدت كل الظروف ورفعت غشاوة الجهل . 

قبل قيام الثورة كان المرض شبحاً يرابط في كل بيت ويتربص بالغلابى كل حين ولم يكن هناك سوى عدد محدود من المراكز الصحية محدودة الامكانيات  التي تعطي الأولوية للطليان والأمريكان والإنجليز وغيرهم ولا نعتقد أن هناك إمكانية لعقد مقارنة مع ماهو قائم اليوم بعد خمسة وثلاثين عاماً من الثورة حيث مئات المستشفيات والمستوصفات ومراكز الخدمات الطبية في كل المدن والقرى والأرياف وهو ما جعل نسبة الوفيات لاتذكر مقارنة بما هو قبل الثورة .

وحين قامت الثورة لم تكن ليبيا سوى أرض جرداء يقتلها الظمأ وتحرقها الشمس ولم يكن بإمكان المواطن المقهور أن يفلح أرضه أو يغرسها اللهم إلا مزارع الطليان وأصدقاء الطليان ،  ولكم أن تقارنوا بين الأمس واليوم  حيث آلاف المزارع التي قهرت التصحر وحققت الاكتفاء وصار بإمكان المواطن أن يأكل من عمل يده .     قبل قيام الثورة كانت أكواخ الصفيح الساخن ،  وبيوت الشعر سكناً للمحظوظين من أبناء هذا الشعب ، وكان هناك كثيرون بفترشون الأرض ويلتحفون السماء .. وجأت الثورة لتمسح في لحظة من لحظات التجلي الثوري العظيم اكوام الصفيح الساخن وتقيم على أنقاضه البيوت العصرية الحديثة وتعم الثورة الإسكانية كل أنحاء ليبيا بلا استثناء في مشهد يؤكد عظمة الثورة وتقديسها للإنسان . 

  قبل قيام الثورة كان العطش يلاحقنا وكم من مواطن ترآى له السراب ماء ومات عطشاً أما وقد انبلج فجر الفاتح العظيم فقد تدفقت المياه غصباً عنها من باطن الأرض وجاء النهر المعجزة ليقتل والى الأبد ليس عطش الإنسان فحسب بل عطش الأرض التي آن لها ان تعانق النهر الذي تحدى البحر وجاء ليكسى والأرض البكر حلة قشيبة ..

  ناهيك عن الطرق التي تتبعت مسارب الإبل وقهرت الجبال واختصرت مساحة القارة الليبية ..

وعن الكهرباء التي دخلت كل بيت .. وكل مزرعة بعد ان كان رأس مال الليبي "فناره " في أحسن الأحوال ، وشقت الكهرباء آلاف الأميال وتجاوزت الحدود الى الدول الشقيقة .


 إن الإنجازات المادية أكثر من أن تحصر مثلما نحن عاجزون عن حصر الإنجازات المعنوية ..

 لقد تجاوز الليبيون بالثورة عصر الحكام والبرلمانات والاحزاب والحكومات التقليدية والملكية المتعفنة الى عصر سلطة الشعب حيث تقرر الجماهير بنفسها في مؤتمراتها الشعبية ملامح مستقبلها وتنفذ من خلال لجانها الشعبية ما تراه مرضياً لطموحاتها في العيشى بحرية وتراقب ذلك مباشرة دون وسيط ولا رقيب . 

وفي عيد انتصارنا الخامس والثلاثين فإن حركة اللجان الثورية التي شرفها القائد بأن تكون رسول حضارة عصر الجماهير  تهنئ الليبيين والليبيات الذين شُرفوا بأن كانت أرضهم نقطة الانطلاق للثورة ذات الرسالة الإنسانية العالمية  العظيمة وتؤكد انه من حقهم أن يباهوا بها الأمم ويحرصوا على أن تظل الثورة خيارهم ودربهم وأداة فعلهم للتبشير والتنوير والتحريض والاقتحام لتأسيس المجتمع الجماهيري الحر السعيد الخالي من كل الأمراض القائم على سلطة كل الناس ..   

كما أننا بفعل تحريض القائد وترشيده من كل أدران الماضي فاختارها رسول حضارة جديدة تؤكد أنها قادرة أكثر من أي وقت مضى عل فعل التأثير الإيجابي وبما يرسخ  مبادئ وأفكار الثورة العظيمة ، وان التداعيات التي تعيشها الأنظمة التقليدية في العالم هي حافز الجماهيريين للدفع بالبديل .. النظرية العالمية الثالثة الملاذ .. وآخر المطاف . 

وأولاً وأخيراً فإنننا نقف في هذا اليوم العظيم وكل يوم لتحي ملهمها وقائد مسيرتها ورمز عزتها وكبريائها القائد المفكر معمر القذافي مؤسس حركة اللجان الثورية الذي استطاع بإرادته القوية أن يثأر  لهذا الشعب وينتشله من خانة النسيان ويسجل اسم ليبيا على خارطة العالم ويجعل منها قبلة وملاذاً ومنبت للقيم والأخلاق والأفكار الجديدة ..

                       

وإلى الأمام ..الكفاح الثوري مستمـــــــــــر